الموت والحياة من منظور طبي إسلامي

 

بقلم :   أ. د/ عبد المعبود عمارة

 

يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ الملك: الآيتان 1، 2.

       ويقول الحق أيضًا: ﴿قُتِلَ الإنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَه فَأقْبَرَهُ * ثـُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَه﴾ عبس: الآيات 17-22.

       وسبحان من تفرد بالبقاء والدوام ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ القصص: آية 88.

       والشعر الحكيم يقول:

       دقات قلب المرء قائلة له

                           إن الحياة دقائق وثواني

       فأرفع لنفسك بعد موتك ذكرها

                           فالذكر للإنسان عمر ثاني

       والنطفة التي يخلق منها الإنسان هي النطفة الأمشاج وهي الزيجوت أي البويضة الملقحة والتي تتكون من نصفين: نصف من الرجل ونصف من المرأة، ومجموع كروموزومات الزيجوت هي 46، إثنان منها يحملان جنس الجنين طبقًا لكروموزومات الرجل إما xx وتكون أنثى أو تكون xy ويكون الحمل ذكرًا.

       أما باقي كروموزومات الزيجوت وهي الأربعة والأربعون؛ فهي تحمل الصفات العامة للمولود، من الطول والقصر واللون ولون العينين وغيرها، ولذلك نجد التشابه بين الإخوة والأخوات في الصفات العامة سواء كانوا ذكورًا أم إناثاً.

       ثم تبدأ الخلية الواحدة "النطفة" في التكاثر والانقسام والتشكل والتحور وتمر بأطوارها ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾، فتتحول النطفة إلى علقة فمضغة ثم عظامًا تُكسى باللحم، وبعد ذلك تصدر الأوامر الإلهية بالتسوية وتحويلها إلى خلق آخر ﴿ثـُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِيْنَ﴾.

       وبعد التسوية تتكون الأجهزة المختلفة من جهاز دوري وتنفسي وعصبي وإخراجي وعضلات وعظام ومفاصل، وكل هذا من خلية واحدة ينشأ منها جهاز سمعي وجهاز بصري وحركي وحسي ﴿مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ﴾.

       وبعد الحياة الرحمية والتي يكون الجنين فيها معتمدًا على أمه ليأخذ منها الغذاء والتنفس والإخراج عن طريق الحبل السري الذي يربطه بالمشيمة، يأمر الله تعالى أن تفتح له الطرق حتى يُولد في أمان ويُسر له طريقُ الخروج من أضيق الأمكنة إلى أوسعها في أمان.

       والقلب يعمل منذ الأسابيع الأولى من الحمل، أما الجهاز التنفسي فلا يعمل إلا بعد الولادة ويصرخ الطفل صرخته الأولى دليلاً على استقبال الحياة "بالبكاء" ويبتدئ الطفل في اعتماده على أجهزته المختلفة. ويقوم الطبيب المولد بمساعدة المولود على التنفس وذلك بشفط المخاط الموجود في الجهاز التنفسي العلوي، والطرق على ظهر المولود من أعلى وحمله في وضع مقلوب لمساعدته على التخلص من أي مخاط قد يكون داخل مجاري التنفس وذلك بعد ربط الحبل السري بسرعة حتى لاينزف المولود دمًا هو في حاجة إليه ثم ينظف جسم المولد ويوضع في ملابسه ليستقبل حياته السعيدة إن شاء الله تعالى.

 

بعض مظاهر الحياة في المولود:

       التنفس: التنفس عملية لا غنى للإنسان عنها لأنه يستخدم للحصول على الأوكسجين الموجود في الهواء في إحراق المواد الغذائية لتوليد الطاقة والحركة اللازمتين للقيام بكافة العمليات البيولوجية الأخرى. كما أنه يطرد ثاني أو كسيد الكربون السام، ويكون عدد مرات التنفس في الأطفال حديثي الولادة حوالي 36 مرةً في الدقيقة ثم يقل في التدريج مع التقدم فيالعمر حتى يصل إلى معدل من 17-18 مرةً في الدقيقة في البالغين في الأحوال العادية.

       النبض: تكون ضربات القلب في الأطفال حديثي الولادة حوالي 120 مرةً في الدقيقة، وتقل عدد مرات النبض بالتقدم في السن حتى تصل في البالغين حوالي 72 مرةً في الدقيقة، وتنعكس انقباضات القلب على الشرايين؛ لأنها أنابيب مطاطة متصلة بالقلب فتحدث موجات تعرف بالنبض، ويمكن بجس النبض معرفة حالة ضربات القلب، من حيث السرعة والقوة والانتظام، ويجس النبض عادةً في الشريان الكبدي ويقع تحت الجلد مباشرةً أمام الطرف السفلي لعظمة الكعبرة.

       ضغط الدم: يكون ضغط الدم في الشريان العضدي حوالي 120 ملليمتر زئبقى في دور الانقباض لعضلة القلب، 80 ملليمتر زئبقى في حالة الارتخاء، وذلك في الإنسان البالغ في الحالات الطبيعية ويقل عن ذلك في سن الطفولة ويزيد قليلاً بتقدم العمر، ويزيد ضغط الدم في أحوال كثيرة مرضية منها: مرض ضغط الدم الأولى Essential Hypertention والثانوي الناتج عن بعض أمراض أخرى كتصلب الشرايين وبعض أمراض الغدد الصماء وأمراض السمنة، وترك هذا المرض بدون علاج قد يؤدي إلى النزيف المخى والجلطة المخية وهما يؤديان إلى السكتة الدماغية.

       كما يؤثر ضغط الدم المرتفع على عضلة القلب ويسبب هبوط الجزء الأيسر من القلب نظرًا  لزيادة العبء عليه فضلاً عن الصداع والغثيان وغيره من الأعراض.

 

العوامل التي تؤثر على سرعة النبض والضغط:

       1- عمر الإنسان: فالطفل أقل ضغطاً وأسرع نبضًا من البالغ.

       2- المجهود العضلي: تزداد سرعة ضربات القلب مع الرياضة البدنية أو القيام بأي مجهود عضلي وذلك حتى يدفع القلب كمية أكبر من الدم للأجهزة المختلفة.

       3- الانفعالات النفسية: مثل الخوف والغضب والانفعال وهي من العوامل المهمة التي تؤدي إلى زيادة النبض والضغط.. وقد يحس الإنسان بدقات قلبه وهو ما يُسمَّى بالخفقان.

       ومما يعالج هذا النوع من المؤثرات، الاقتداء بالهدي النبوي وهو الذي كان يعطي من حرمه ويصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويدفع السيئة بالحسنة اقتداءً بقوله تعالى: ﴿خُذِْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِيْنَ﴾، والإيمان بالقضاء والقدر حلوه ومره، خيره وشره، والصبر في الشدائد. قال تعالى ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ البقرة: الآيات 155-157.

       ومما يزيد ضربات القلب هبوط ضغط الدم ومرض الأنيميا وارتفاع درجة الحرارة أو النزف الدموي الحاد.

 

النخاع المستطيل وتنظيم دورة الحياة:

       النخاع المستطيل أحد المعجزات في خلق الإنسان، وهو عبارة عن الجزء الأسفل من المخ المؤخري، ويقوم هذا الجزء من المخ بتنظيم دورات الحياة؛ فهو ينظم النبض والضغط وينظم دورة التنفس من شهيق وزفير؛ فالشهيق وهو استنشاق الهواء يأخذ دوره حينما يحتاج الجسم إلى الأوكسجين، والزفير يحدث حينما ترتفع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم، ويحدث الشهيق والزفير لا إراديًا أثناء اليقظة وأثناء النوم ولا يتوقفان إلا مع نهاية الحياة، والجنين في بطن أمه لا يتنفس؛ لأنه يعتمد على الأوكسجين الذي يأخذه من دم أمه عن طريق الحبل السري والمشيمة، وهذا من حكمة الخالق تبارك وتعالى؛ لأن الجنين لو تنفس وهو في بطن أمه لاستنشق ماء من السائل الأمينوتي المحيط به ويكون مثل من يفرق من أسفيكسيا الغرق. لذا يجب أن نسجد لله شكرًا وعرفانًا بنعمه ودقة صنعه فتبارك الله أحسن الخالقين.

       كما ينظم النخاع المستطيل التنفسي والنبض والضغط؛ فإنه يقوم بتنظيم درجة حرارة الجسم، ويعتبر النخاع المستطيل مركز الحياة، وموته يعتبر موتاً إكلينيكيًا.

       أما مركز تنظيم ضربات القلب؛ فإنه من المراكز التي تعمل والجنين في مراحله الأولى حيث أن القلب ينبض في الأسابيع الأولى من الحمل.

       والجهاز الدوري (القلب والأوعية الدموية)، والجهاز التنفسي من الأجهزة التي تعمل ليلاً ونهارًا ولا تتوقف إلا مع نهاية الحياة، ويتحكم فيهما الجهاز العصبي اللاإرادي.

 

الموت:

       نهاية كل حي، قال الله تعالى فيه: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوْرَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ آل عمران: آية 185.

       ويقول تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُوْنُوْا يُدْرِكْكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِيْ بُرُوْجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ النساء: آية78.

       ويقول تعالى: ﴿حَتّـٰـى إذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَيُفَرِّطُوْنَ﴾ الأنعام: آية61.

       والموت من الناحية الطبية هو توقف القلب والتنفس وتوقف المخ المؤخري (النخاع المستطيل) عن العمل ثم تعقبه برودة الجسم وتيبس العضلات، وتعتبر فقد الانعكاسات العصبية ورد العقل المنعكس واتساع حدقة العين، وتوقف رد الفعل المنعكس في قرنية العين وانعدام النبض دلالات على الموت.

       والموت قد يأتي فجأةً وبدون مقدمات مرضية في مثل حالات الجلطة التي تصيب الشريان القلبي الرئيسي أو الجلطة في الشريان الرئوي Pulmonary Empolism وتُسمّى السكتة القلبية.

       وقد تصيب السكتة أيضًا المخ إذا حدثت جلطة أو نزيف حاد في شرايين المخ الرئيسية وخاصةً تلك التي تغذي المخ المؤخري والنخاع المستطيل.

       وقد يكون هبوط الدورة الدموية الحاد سببًا للوفاة نتيجةً للنزيف الشديد في الحوادث أو الصدمة العصبية Hqemorrhqgic Shock أو Neorogenic Shock إذا لم يسعف المريض بنقل الدم الفوري والمسكنات القوية مثل المورفين بالمستشفيات ومراكز العلاج.

       وهبوط الدورة الدموية قد يكون نتيجةً للحروق الشديدة أيضًا والتي تؤدي إلى اختلال المعادن في الجسم مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم.

       إذن فالموت أقرب من لمح البصر وعلى الإنسان أن يتوقع الرحيل ويعمل من أجله؛ فكأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل. إلا إن مَنْ في الدنيا ضيف وما في يده عارية. وإن الضيف مرتحل والعارية مردودة.

       وانظر رعاك الله كم أنت ضعيف، خُلِقْتَ من ماء مهين يُقدره عليٌّ قدير، وانظر كم رعاك الله في بطن أمك، وحملك برحمته إلى الوجود، وأنعم عليك بالسمع والبصر والحس والحركة والغذاء والدواء.

       وحفظك من العلل والأمراض وأودعك جهازًا مناعيًا يدافع عنك في اليقظة والنوم ويرعاك بنعمه والتي لاتستطيع عدها. وبعد ذلك تبارزه بالمعاصي وأنت محتاج إليه في كل لحظة وحين، ليخرجك من الظلمات إلى النور.

       نسأله تبارك وتعالى العفو والمغفرة إنه سميع قريب.

*  *  *

صفر - ربيع الأول 1430هـ = فبراير - مارس  2009م ، العـدد : 2-3  ، السنـة : 33