الدعوة إلى الله .. وما ينبغي لها

 

بقلم : فضيلة الشيخ معوض عوض إبراهيم

 

إن الدعوة إلى الله تعالى أشرف المهام، وأجل الأعمال، بعد الإيمان بالله سبحانه.. قال تعالى ﴿وَمن أحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلىٰ اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَال إنَّنِيْ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ﴾ فصلت: آية33.

       وهي تذكير بالله وبمراده منذ خُلق آدم وحواء – عليهما السلام – وَبَثَّ مِنْهُمَا رَجَالاً كَثِيْرًا وَّنِسَاءً قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُوْنِ﴾ الذاريات: آية 56، وقال: ﴿وَمَا أُمِرُوْا إِلاَّ لِيَعْبُدُوْا اللهَ مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ حُنَفَاءَ وَيُقِيْمُوْا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوْا الزَّكَاةَ وَذٰلِكَ دِيْنُ الْقَيِّمَةِ﴾ البينة: آية 5.

       وكل شيء وراء الإنس والجن مسيَّر بمشيئة الله وتقديره، وحكمته وتدبيره خَلقًا ووجودًا وحركةً في نفسه وفيما وراءه من الكائنات علوًا وسفلاً، وبرَّا وبحرًا وليلاً ونهارًا قال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَه تَقْدِيْرًا﴾ الفرقان: آية2، وقال سبحانه: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ الأنعام: آية38.

       ولقد كانت الدعوة إلى الله عمل رجال اصطفاهم الله من خيرة أقوامهم وأزمانهم، خُلقًا وسيرةً، ألم يقل قوم صالح عليه السلام له: ﴿يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِيْنَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾ هود: آية66، وكذلك فعلتْ يهود للنبي صلى الله عليه وسلم إذ كانوا يعرفونه بصفاته الكريمة من كُتُبهم، ويرجونه متممًا لسلسلة أنبيائهم ﴿كَمَا يَعْرِفُوْنَ أبْنَاءَهُمْ﴾ البقرة: آية 146، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوْا كَفَرُوْا بِهِ﴾ البقرة: آية 89.

       وكان المرسَلون – صلوات الله عليهم – أهل الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة حتى قال الله تعالى لمصطفاه صلى الله عليه وسلم: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوْا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ الأحقاف: آية 35.

       وفي الآية تنويه بقدر الصبر فهو من أمهات فضائل، أئمة المرسلين أصحاب الشرائع الذين ذكرهم الله مع خاتمهم في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّيْنَ مِيْثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوْحٍ وَّإِبْرَاهِيْمَ وَمُوْسىٰ وَعِيْسَىٰ ابْنِ مَرْيَمَ﴾ الأحزاب: آية7.

       وقوله سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ الشورى: آية13.

       ومن أجل دلالة "وَمِنْكَ" في الآية الأولى، ﴿وَالَّذِيْ أوْحَيْنَا إلَيْكَ﴾ في الآية الثانية، أنهما يجلوان فضله على سائر المرسلين – صلوات الله عليهم – وأنه خاتم المرسلين حين ذكره في الآية الثانية بعد أول المرسلين نوح علىٰ ما أكدت النصوص الأخرٰى من عموم رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، إن فضيلة الصبر خليقة بأن تلحظ في أمر الله تعالى لمصطفاه: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ الأحقاف: آية 35.

       فهي تستعلن في حياتهم الراشدة، وفي دعواتهم الهادية إلى الله، وما يعوزهم من صبر وجلد، وفيما واجهوا من أذى الطغاة، وغير الحياة حتى قصَّ الله قصصهم للعبرة والتأسي، لا للتسلي وإزجاء الفراغ. قال تعالى: ﴿وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ هود: آية120.

       والدعاة إلى الله على أقدام المرسلين وخاتمهم – صلوات الله عليهم أجمعين – والله تعالى يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ الأحزاب: آية 21.

       وما من نبي إلا دعا قومه إلى الله كما تحدث جل شأنه بذلك فقال سبحانه: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوْحًا إِلىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوْا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلـٰـهٍ غَيْرُهُ﴾ الأعراف: آية59.

       وقال: ﴿وَإلىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوْدًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوْا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلـٰـهٍ غَيْرُهُ﴾ الأعراف: آية65.

       وقال: ﴿وَإِلىٰ ثَمُوْدَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوْا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلـٰـهٍ غَيْرُه﴾ الأعراف: آية73.

       وقال: ﴿وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوْا اللهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلـٰـهٍ غَيْرُهُ﴾ الأعراف: آية85.

       إن تتبع دعوات المرسلين إلى الله مؤقد أنهم صلوات الله عليهم كانت دعوتهم واحدة ولم تتعدد إلا شرائعهم المناسبة لعصورهم وما قال أحد منهم كلمة وأثر السلامة واعتزل قومه فما اعتزلوا إلا شركهم وكفرهم وفساد طبائعهم وسوء أعمالهم.

       وهذا شعيب عليه السلام يواجه بكل ثبات وإصرار وعيد الملأ من قومه بقوله: ﴿قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا﴾ الأعراف: آية89.

       وما يأس المرسلين صلف الملأ من أقوامهم، ولا فتَّ في أعضادهم أذى، لكن ذلك كان يذكي هممهم ويضاعف من يقينهم في نصر الله وإن تراخى الزمن واستحر الأذى واستطال العذاب وتأخرت مصارع الظالمين.

       ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِيْنَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُوْرُوْنَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُوْنَ﴾ الصافات: الآيات 171-173.

       ولما يئس يونس من قومه وجرى عليه قدر مولاه تداركته رحمته لأنه كان من المسبحين!!

       ولقد اجتمع المرسلون على كلمة التوحيد، ودعوة الإيمان في أممهم، وأقاموا حجج الله بذلك عبر التاريخ ﴿لِئَلاَّ يَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلىٰ اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ النساء: آية 165.

       ولله عز وجل الحجة البالغة والمنة التامة وهو يقول: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ المائدة: آية19.

       وجل الله الذي لا يحصى المحصون أنعمه، وهو يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ الأنبياء: آية25.

       ويقول: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ النحل: آية36.

       وقال: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ الرعد: آية7.

       وقال: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيْهَا نَذِيْرٌ﴾ فاطر: آية 34.

       إنها كلمة التوحيد ودعوة الإيمان، تجتمعان في الرسالة الخاتمة التي جاء بها رحمة الله للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم، فكمل الدين وتمت النعمة، وجلت سنة الله على البشرية بأسرها، وعلى العالمين جميعًا ﴿وَأُوْحِيَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ الأنعام: آية 19.

       أخرج الشوكاني بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من بلغه القرآن فقد شافهته". ثم قرأ: ﴿وَأُوْحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ..﴾ وعن سعيد بن جبير "وَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآن فَكَأَنَّهُ رَأٰى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ".

       فأين البشرية جمعاء من شرف المقاسمة في منة الله تعالى وهو يوحي من فوق عرفات في حجة الوداع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

       ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ المائدة: آية3.

       ولقد آزر اللهُ رسوله في دعوته بمن آمنوا على من لم يؤمنوا، سنة الله التي قد خلت في رسله، وانقضت في ذلك أجال، وأنفقت أموال، وتتابعت أعمال، وكانت صوالحها من همم المصطفين الأخيار – صلوات الله عليهم – ومن اتبعوهم بإحسان في مواجهة هوى متبع، ودنيا مؤثرة ورؤى أنفس ناكبة عن الرشد، وواسي الله مصطفاه من مثلها في قوله: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فاطر: آية8.

       ومضى الذين آمنوا معه صلى الله عليه وسلم يحملون راية الدعوة ويجاهدون فيها بأموالهم وأنفسهم، وما أعظم دلالة تقديم الأموال على الأنفس في هذا السياق في كل آياة الجهاد في سبيل الله، والكلمة في أحيان هي من أفضل الجهاد.

       والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا

فالحرب أجدى على الدنيا من السلم

       وما كان القتال في الإسلام إلا للذين يقاتلونكم.. ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ البقرة: آية 190.

       وهو مشروع في الإسلام في حدود تأمين الدعوة، وإذعان الناس لكلمات الله: ﴿وَلاَ تَعْتَدُوْا إنَّ اللهَ لاَيُحِبُّ الْمُعْتَدِيْنَ﴾.

       والله تعالى يدعو العقلاء أن يدخلوا في السِّلم كافَّةً ويقول لمصطفاه: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسِّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ الأنفال: آية 61.

       ومرة أخرىٰ فإن تقديم المال على الأنفس في إعداد الله المؤمنين للجهاد، تقديم ضروري، فلا جهاد إلا بزاد وعتاد والمال سبيلهما، وهو تقديم يساوق الفطرة فإن الناس ربما عرضوا أنفسهم للشدائد والمهالك في طلب المال من وجوهه المشروعة وفي الذياد عنه والدفاع من دون سلامته وبقائه ومن طابت أنفسهم بإعطائه لله وبذله في سبيله هانت عليهم أنفسهم يعطونها لله وبذله في سبيله هانت عليهم أنفسهم يعطونها لله بالجنة وشرف الشهادة والحياة التي هي عدة الله لشهداء مع ما تضمنته آيات: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ..﴾ آل عمران: آية 169.

       وقد ندب الله عباده إلى إسداء المعروف وإغاثة الملهوف ورد عوادي الدهر عمن نعرف ومن لا نعرف، وذلك يتضاعف إيجابه للذين يجمعنا وإيَّاهم الإسلام؛ فإن لهم في أموال الواجدين حقًّا، لاينبغي إمساكه عنهم، ولا منة فيه لمعط ولا هضيمة على آخذ ورضى الله عن أبي الحسن علي بن أبي طالب فقد قال: "واعلم أنك لا تكسب شيئًا فوق قوتك إلا كنت خازنًا لغيرك فيه".

       ولقد فضل الله بعضنا على بعض في الرّزق ﴿لِيَبْلُوَكُمْ فِيْمَا آتَاكُمْ﴾، وليفيد الأغنياء ودّ الذين كفكفوا مدامعهم، بإيتائهم الحق المعلوم في مال الله الذي استخلفهم فيه، وداول فيه بين أيديهم فقال تعالى: ﴿آمِنُوْا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ وَأَنْفِقُوْا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِيْنَ فِيْهِ﴾ الحديد: آية7، ولقد أبصر ذلك الرجل الذي كان يرعى إبلاً سماناً فمرّ به من سأله لمن هذه الإبل؟ فقال: "هي لله في يدي".

ويقول مالي من يقول واعبدي

مَهْ، فالعبيد لربّنا والدارُ

       إن شر مافي الإنسان شح هالع وجبن خالع، ودنيا مؤثرة.. والله تعالى يقول:

       ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ محمد: آية38.

       والبخل عن النفس الأمارة بالسوء لا عن النفس الموقنة بوعد الله أن ينفق على من أنفق، وبعملى من أعملى واتقى وصدق بالحسنى.

       والله الذي يعلم من خلق يقول: ﴿إنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوْعًا * إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوْعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوْعًا * إِلاَّ الْمُصَلِّيْنَ * الَّذِيْنَ هُمْ عَلىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُوْنَ * وَالَّذِيْنَ فِيْ أمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوْمٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوْمِ﴾ المعارج: الآيات 19-25.

       ويذكر الله تعالى من صفات المتقين: ﴿وَفِيْ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوْمِ﴾ الذاريات: آية19.

       إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف يوم القيامة والنبي صلى الله عليه وسلم يوجب فعل الخير للخير فيقول "اصنع الخيرَ في أهله وفي غير أهله، فإن وجدتَ أهله وجدت أهله وإن لم تجد أهله كنت أنت أهله".

       ولقد اشترى الخليفة عمر t أعراض المسلمين من الحطيئة الذي لم يدع من هجوه أباه وأمه وخاله وعمه وزوجه ونفسه، ولكن فساد دخيلة الرجل غلبت عليه فخان الصفة، ونقض عهده للخليفة، فأودعه السجن، ليقي المسلمين من شره، ولم يلبث أن استعتب الخليفة فأعتبه وأفرج عنه من أجل أفراخ زغب الحواصل من زوج وولد خاف عليهم الضياع؛ فلمَّا مثل بين يدي الخليفة أنشده من شعره:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

لا يذهب العرف بين الله والناس

       وكان في مجلس عمر t صحابي أسلم من يهودية وهو وهب بن منبه t فقال يا أمير المؤمنين، إن هذا الذي يقوله لفي التوراة يقول الله فيها: "عبدي افعل الخير تجده عندي، لا يذهب العرف بيني وبين عبدي"، هذا هو الخير في الفطرة السليمة، وهو الخير في دين الخير والدعوة إلى الله تعالى حاجتها ماسة إلى الأخيار يعينون بحق الله الذي آتاهم مالم يؤت سواهم على إبلاغ كلمات الله إلى عباد الله، وليتألفوا إخوة،..... عنهم في أقطار وديار، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ﴾ الليل: الآيات 5-11.

       وقال سبحانه: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ * لا يَصْلاهَا إِلا الأشْقَىٰ * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَىٰ * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ﴾ الليل: الآيات 14-21.

       فهيا إلى الدعوة إلى الله ومقتضياتها عن رضى وارتياح، ليرضى الله عنا، وعنكم في عاجل وآجل.

       وما أحسبنا ونحن نتواصي بالدعوة وما ينبغي لها يغيب عن آذاننا دعوات تأتينا من الأرض المقدسة كالرعود والعواصف أيها المسلمون، أيها العرب هاتيك أقداس عيسى عليه السلام وأقداس الأرض المقدسة تعفي عليها قوي الشر وتحموا آثارها من فوق الأرض في جنين ومخيمها وفي نابلس، ورام الله وطولكرم والخليل وغزة.

       إننا نحسن الظن ويقوي بين أعطافنا الرجاء في أن نكون على قلب رجل واحد مع قادتنا وولاة أمرنا في شتى دورنا ومختلف منازلنا في غضبة لله على أولئك الذين كانوا بالأمس مشردى البقاع وشذاذ الآفاق ثم استنشر البغاث ونحن في غفلة ساهون فجاسوا خلال الديار مكبلين في دباباتهم وعرباتهم المصفحة فهم وإن أتوا ظاهر انتصار في الأرض المقدسة سيبقون كما قال الله ﴿لاَ يُقَاتِلُوْنَكُمْ جِمِيْعًا إِلاَّ فِيْ قُرىً مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ﴾ الحشر: آية 14.

       وإننا وإياهم لكما قال الله الذي يعلم من خلق ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ المنافقون: آية4.

       وجل الله الذي يقول: ﴿لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِيْ صُدُوْرِهِمْ مِنَ اللهِ﴾ الحشر: آية 12.

       ألا ليتنا نتعرف على ما ينبغي للدعوة إلى الله عز وجل من حوافظ وقوة وطاقة نعرف عدونا ومن يؤازره ويناصره فنظاهر هؤلاء جميعًا في ركضه يعين الله عز وجل عليها في ساعة من نهار، أجل في ساعة من نهار يعلم فيها عدونا أننا صرنا على قلب رجل واحد نحرص على الموت لتحيا عقيدتنا وتسلم مقدساتنا ويعلو الحق على الباطل ﴿وَعَدَ اللهُ لاَيُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ﴾ الروم: آية6.

*  *  *

 

صفر - ربيع الأول 1430هـ = فبراير - مارس  2009م ، العـدد : 2-3  ، السنـة : 33