هي سُنَّــةُ الهادي

 

شعر: الشاعر الإسلامي الأستاذ عبد الرحمن صالح العشماوي / الرياض

 

أنظر إليها تَمْلأُ الأُفُقَا

لا ظُلْمَةً تخشى ولا غَسَقَا

ما أشرقتْ إلاَّ وقد مَسَحَتْ

معنى الغروبِ، وأَلْفَتِ الشَّفَقا

كسرتْ رِتَاجَ الوهم، ما تركتْ

سَدّاً يحاصرُها ولا نَفَقَا

سطعتْ فصار الكونُ مَشْرِقَها

وغدا لها ولنُورِها أُفقا

أنظرُ إليها لا تَمُدُّ يدًا

إلا وتنثرُ عطْرَها العَبـقَا

بيضاءُ ناصعةُ البياضِ، بها

عَرَفَ الجمالُ الحُسْنَ واتَّسقا

لكأنَّني بالحُسْنِ يَرْمُقُها

فيعودَ مَبْهورًا بما رَمَقا

سبحان من أعطى الجمالَ لها

الوجهَ والعينينِ والحَدَقَا

برزتْ فمدَّ الكونُ أجمعُه

لجمالها وجلالها العُنُقَا

ما أزمعتْ سيرًا إلى هَدَف

إلا وأسعدَ سيرُها الطُّرُقَا

تمشي فتسقط دونَها بـِـدَعٌ

وتظلُّ تَسبقُ كلَّ مَنْ سَبَقَا

وتظلُّ تفتح كلَّ نافذةٍ

للخير، تَرْتُق كلَّما انْفَتقَا

هي سُنَّة الهادي البشير فيا

طوبى لمن شربَ الهدَى وسَقَا

هي سنةُ الهادي الذي صدقتْ

أفعالُه، ومَقالُه صَدَقا

حَمَل الأمانةَ دونما مَلَلٍ

وعلى بُراقِ الهمَّةِ انطلقا

ترك المحجَّةَ كالضياءِ لنا

مِنْ حَوْلِهَا، صَرْحُ الهدى سَمَقَا

لله دَرُّ المجد، أبصرَه

شهمًا، فمدَّ يديه واعتنقا

لله دَرُّ المكرمات رأتْ

أَلَقَ الرَّسولِ فحيَّتِ الأَلَقَا

لله درُّ الصدق لازَمَة

من يومِ مَوْلِده، فما افترقا

لله دَرُّ العلم أَسْلَمَه

مفتاحهُ، وبعلمه وَثِقا

أو لم تكنْ آيُ الكتابِ وما

فيها من التقوى له خُلُقا؟!

يارحلتي في حُبِّ مَنْهَجِنا

كم بارقٍ من لهفتي بَرَقا

مازِلْتُ أَستدني البعيد فما

فما أدناه من قلبي إذا أخَفَقا

ناديتُ واستَمْطَرتُ ذاكرتي

فرأيتُ غيثَ سعادتي غَدَقا

ورأيتُ خيرَ النَّاس، سُنَّتُه

تَشفي الصدورَ وتُطفئ الحُرَقَا

يا سُنَّةَ الهادي إليكِ هَفَا

قلبٌ تصبَّح منكِ واغتبقا

قلبٌ إلى الرحمن وُجْهَتُه

يأبى الخضوعَ لغير مَنْ خَلَقا

بكِ – بعدَ آياتِ الكتابِ – رأى

نورَ اليقين فودَّعَ الأَرَقا

يا سنَّةَ الهادي البشير أرى

فيكِ الهدايةَ، نَخْلُها بَسَقا

مازلتِ نبراسًا نسير به

مهما ادلهمَّ الليلُ وانطبقا

مازلتِ مركبَنا الأَصيلَ وإنْ

هاج المحيط وموجُه اصطفقا

أنتِ الشفاءُ من الغلوِّ ومن

سوءِ الطباع وفِسْقِ مَنْ فَسَقا

أنتِ الدَّواءُ لمن يُخالطُه

داءُ الهوى أو يشتكي نَزَقَا

مِنْ منبع القرآنِ أنتِ، فما

أصفاكِ هَدْيًا صادقًا وتُقَى

مَنْ حادَ عنكِ، رأى الحياةَ بلا

معنىً وعاش الهمَّ والقَلَق

كم بِدْعَةٍ ظلَّتْ بصاحبها

حتى اكتوى بالنَّار واحترقا

كَرِهَ الجماعةَ، طَوْعَ بِدْعَتهِ

وتتبَّع الأهواءَ، والفرَقَا

إني أقولُ لمن تَخَطَّفَهُ

وهمٌ وتابع كلَّ مَنْ نَعَقَا

يا غارقًا في وَهْم بدعتهِ

امددْ يديك وودِّع الفَرقَا

يا مُوْغِلاً في ليلِ حَيْرَته

أوَ ما ترى الفجرَ الذي انبثقا

خُذْها إليكَ حقيقةً سطَعَتْ

واقرأْ عليها الناسَ والفَلَقَا

في السُّنَّةِ الغرَّاءِ مُنْتجَعٌ

أشجارُه لا تُسْقِطُ الوَرَقا

 

صفر - ربيع الأول 1430هـ = فبراير - مارس  2009م ، العـدد : 2-3  ، السنـة : 33