فلسطين في انتظار صلاح دين

تأليف : نور عالم خليل الأميني

عرض :  يوسف كامل خطاب

 

 

 

فيما يلي تعريف بكتاب "فلسطين في انتظار صلاح دين" بقلم رئيس تحرير مجلة "الداعي": نور عالم خليل الأميني، قام به الأستاذ يوسف كامل خطّاب/ حفظه الله أستاذ بكلية الملك خالد العسكريّة وعضو بهيئة تحرير مجلة "كلية الملك خالد العسكريّة" ونشرته المجلة في عددها (96) من السنة 24: صفر 1430هـ الموافق مارس 2009م .

وهو تعريف قيّم مبنيّ على دراسة عميقة مستوعبة واعية للكتاب، لم يُنْشَر حتى الآن مثله عن الكتاب في أي من المجلات والصحف العربيّة أو الأرديّة.

ونعيد نشره في مجلتنا "الداعي" شاكرين للأستاذ يوسف كامل خطّاب ، وشاكرين للمجلة ، جزاه الله وجزى القائمين عليها خيرًا. [التحرير]

 

تقديم :

       على الرغم من المحاولات الدؤوبة من أجل تجريد القضية الفلسطينية من بُعدها العقدي الإسلامي، وجعلها صراعًا بين العرب وإسرائيل، ثم بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مساحة من الأرض، ليقيم عليها الفلسطينيون دولتهم وتُحَلُّ قضيتهم! فإن تلك المحاولات سرعان ما تفشل ويعود للقضية بُعدها الإسلامي الذي يجعل تحرير فلسطين من براثن اليهود هي الشغل الشاغل والقضية المحورية الأولى للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وذلك لما لفلسطين بعامة ولمدينة القدس وما حولها بخاصة من مكانة ومنزلة دينية عند جميع المسلمين، لارتباطها بأنبياء الله: إبراهيم، وزكريا، ويحيى، وموسى، وعيسى (عليهم السلام)؛ ولاحتوائها على (المسجد الأقصى) قبلة المسلمين الأولى، وثالث ثلاثة مساجد – بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي – يشدُّ إليها المسلمون رحالَهم، ومنه كان مسرى نبيهم (صلوات الله وسلامه عليه) ومعراجه؛ ولكونها أرض المحشر والميعاد، وفي أكناف بيت المقدس وما حوله تقطن الطائفة المنصورة الثابتة على الحق من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وقد دلّت على ذلك كله نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

       وهذه الحقائق الخاصة بفلسطين وبيت المقدس لم تغب عن علماء المسلمين ومفكريهم – عربًا وعجماً – منذ الأيام الأولى التي وطأ فيها الصهاينة اليهود أرض فلسطين ليدنسوها، ولم تلههم تهويمات القادة والسياسيين – ومن روّج أفكارهم وآراءهم من الإعلاميين – بأن قضية فلسطين قضية سياسية قومية لا دخل فيها للدين، ولم تثنهم تهديدات الأمريكيين والأوروبيين، ووصفهم لكل من يقاوم الاحتلال الصهيوني الغاشم البغيض بأنه من (الإرهابيين)، عن أن يقولوا كلمة الحق ويعلنوا رأيهم صريحًا فصيحا مبينًا بأن الحرب على فلسطين هي حرب على الإسلام وأهله وأرضه من قبل تحالف صهيوني – صليبي دنس، يهدف إلى القضاء على المسلمين وعقيدتهم ومقدساتهم .

 

            ومؤلف الكتاب الذي نعرضه، الأستاذ: (نور عالم خليل الأميني) هو أحد أولئك المفكرين المسلمين الذين نبض قلبهم – وهو في موطنه بالهند – بحب فلسطين، وانشغل فكره بقضيتها، وتألّم ضميره لما يحدث لشعبها على أيدي الصهاينة النازيين، واجتاح الأسى جوانحه لما يتعرّض له مسرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعراجه من انتهاكات صارخة ومحاولات حثيثة خبيثة لهدمه وتدميره، وإقامة (هيكل اليهود) المزعوم على أنقاضه؛ فجعل من قضية فلسطين همّه الدائم وشغله الشاغل، وطفق منذ العام (1982م) يتتبع أخبارها، ويراقب أحداثها، ويحصي تطوراتها، وينقل ذلك كله – منطلقًا من رؤية إسلامية واعية – إلى قراء اللغتين: العربية والأردية – اللتين يتقنهما المؤلف – عبر مؤلفاته الفكرية العديدة، ومقالاته المتعددة التي نشرت – وما تزال تنشر – على صفحات المجلات العربية والباكستانية والهندية، وخصوصًا مجلة (الداعي) الشهرية، التي يتولى المؤلف رئاسة تحريرها منذ (27) عامًا، كما ينقلها إلى طلابه بالجامعة الإسلامية، دارالعلوم/ ديوبند بالهند، حيث يعمل أستاذًا للأدب العربي بتلك الجامعة .

 

عرض الكتاب :

       صدر الكتاب في طبعته الأولى باللغتين: العربية والأردية عن: (مؤسسة العلم والأدب، ديوبند، يوبي، الهند) في شهر مايو من عام 2008م؛ في (661) صفحة من القطع المتوسط، توزعت عليها محتويات الكتاب المكونة من: مقدمة، وأربعة أقسام رئيسة، جاءت على النحو التالي:

 

المقدمة :

       وقد أوضح فيها المؤلف المكانة الدينية لفلسطين – وخصوصًا مدينة القدس وما حولها – عند المسلمين (عربهم وعجمهم)، موجزًا ما تعرّضت له من صراع ديني ابتدأ من العصور الوسطى بين الصليبيين والمسلمين ثم تجدّد مع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، واستمرّ إلى اليوم بين المسلمين واليهود الصهيونيين، المدعومين من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، بدافع من صليبيتهم المعادية للإسلام والمسلمين – الأمر الذي دفع المؤلف إلى إصدار كتابه ليضع أمام قرّاء العربية والأردية في كل مكان: "القصة الأليمة الفائضة بالدروس والعبر لجميع ما مرَّت به القضية من صعود وهبوط، وعناية الأمة المسلمة بها عناية مخلصة متعاطفة، ومقاومة الفلسطينيين الباسلة، ودمار الشعب الفلسطيني واستشهاده وتشرده... وفي جانب آخر تضع أمامهم صورة واضحة كاشفة لجمود القادة والساسة العرب والمسلمين، وحقيقة وقوعهم فريسة سهلة للمؤامرات الصهيونية الصليبية"؛ هادفًا من ذلك إلى أن "يتأكّد كل مسلم غيور، لديه قلب متألم، أن حلم تحرير فلسطين، واستعادة المسجد الأقصى، واسترداد القدس، وعودة الفلسطينيين المشردين إلى وطنهم، لن يتحقق إلاّ بالجهاد المقدس والمقاومة المخلصة، والنضال الداعي إلى المغامرة، وأن كل طريق غير هذا الطريق، إنما يؤدي إلى هوة سحيقة لايُرجى التخلُّص منها بعد السقوط فيها"، ص31.

 

القسم الأول: (أرض فلسطين: تاريخ موجز، ومكانتها في الإسلام، ووصفها تحت الاحتلال، وأفاعيل الصهاينة مع الفلسطينيين):

       خصَّص المؤلف هذا القسم لتعريف القارئ على أرض فلسطين، فأوضح له: موقعها، ومساحتها، وتاريخها، ومكانتها الدينية، ووجوب السعي إلى تحريرها من اليهود الذين يدَّعون أن لهم فيها (حقًا تاريخيًا)، وهي فِرْيَة صهيونية لتسويغ احتلال فلسطين وإخراج أهلها منها. موضحًا دور الدول الغربية في إنشاء دولة (إسرائيل) على أرض فلسطين كحلٍّ لـ(المشكلة اليهودية) التي ظهرت في القرن (19م) – خصوصًا في أوروبا الشرقية – وما تعرَّض له اليهود من اضطهاد على أيدي الروس، وتمكّنهم من الوصول إلى دوائر النفوذ في أوروبا وأمريكا لدعمهم في حل مشكلتهم بإقامة دولة لهم في فلسطين، وهو الدور الذي قامت به (بريطانيا) عبر وعد (بلفور) الشهير، الذي بدأت بتنفيذه على أرض الواقع بعد انتدابها على فلسطين بقرار من (عصبة الأمم) عام 1922م، حيث فتحت بريطانيا الباب على مصراعيه لهجرة اليهود إلى فلسطين، وأصدرت من القوانين ما مكَّن اليهود من تملُّك الأراضي الفلسطينية، و وفّرت لهم الحماية الكاملة طيلة فترة الانتداب، ودرَّبت عصاباتهم في الجيش البريطاني؛ وعندما أيقنت أنهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم ضد العرب، أعلنت إنهاء الانتداب بعد إعلان اليهود عن قيام دولتهم على أرض فلسطين، التي تم تقسيمها بالقرار (181) الصادر عن (الأمم المتحدة) عام 1947م بين اليهود (54٪)، والفلسطينيين (45٪)، على أن تبقى نسبة الـ(1٪) – والتي تمثّلها منطقة القدس – منطقة دولية، وما فتئ قرار إعلان قيام دولة إسرائيل أن أُذيع حتى بادرت دول الغرب بالاعتراف بها لتنهي بذلك (المشكلة اليهودية)، وتبدأ (القضية الفلسطينية).

       وقد قوبل قرار التقسيم برفض عربي – فلسطيني، وقررت الدول العربية دخول الحرب ضد إسرائيل عام 1948م، فسارع المجتمع الدولي يطالب بالهدنة والبحث عن حل سلمي للقضية، وخلال الهدنة – التي استمرت لمدة شهر – كانت المساعدات العسكرية الدولية قد تقاطرت على إسرائيل لتتمكن من هزيمة العرب وترسيخ وجودها في الأراضي الفلسطينية. واستمر الفلسطينيون في مقاومتهم للمحتل بدعم من الحكومات والشعوب العربية، فلاذت إسرائيل إلى الغرب الصليبي طالبة دعمه لوقف المساعدات العربية للمقاومين الفلسطينيين، فاستجاب لطلبها كلٌ من بريطانيا وفرنسا وقاموا – مع إسرائيل – بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956م. وفي الخامس من يونيو عام 1967م كانت الجولة العربية الصهيونية الثالثة، وتمكّن الصهاينة من احتلال المزيد من الأراضي العربية المصرية والسورية والأردنية، فضلاً عن بسط نفوذهم على مدينة القدس وكثير من المدن والقرى الفلسطينية. وجاءت الجولة الرابعة عام 1973م وتمكّن العرب – بتضامنهم السياسي والعسكري – من تحقيق أول نصر لهم على (إسرائيل)، التي لم ترض بالهزيمة، وتابعت عدوانها على الجنوب اللبناني عام 1982م.

       وخلال هذه المواجهات، كانت المقاومة الشعبية الفلسطينية المسلحة تنمو وتتبلور يومًا بعد الآخر، سواء داخل فلسطين أم داخل الدول العربية التي احتضنت المهجّرين الفلسطينيين. وقد لعبت تلك المقاومة دورًا بارزًا، وخصوصًا خلال حرب الاستنزاف التي امتدت في السنوات الست من 1967 – 1973م، حيث كبَّدت العدو الصهيوني الكثيرَ من الخسائر؛ ولكن تلك المقاومة تعرَّضت لضربات عديدة في الدول العربية، مما أدى إلى إضعافها، وكانت الضربة الأولى خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1975 – 1990م، وخصوصًا عندما اجتاح الصهاينة الجنوب اللبناني عام 1978م، ثم عام 1982م لضرب البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في لبنان وإجبار قادة منظمة التحرير على الخروج منها. ثم تتابعت الضربات الموجعة ممثلة في: اتفاقية (كامب ديفيد) عام 1979م، التي أفقدت المقاومة الدعم المصري، التزامًا بما وقعت عليه في المبادرة؛ ثم الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988م، التي أثـَّرت بالسلب على الدعم المادي الخليجي للمقاومة، ثم الحرب العراقية على الكويت واحتلاله عام 1990م، وما نتج عنها من تمزّق عربي إسلامي.

       أقدمت المقاومة الفلسطينية – في ظل هذا الواقع – على قبول التسوية السلمية مع الكيان الصهيوني (مدريد 1991م). وكانت الخطوة التالية هي: الاعتراف بالعدو المحتل، وإعلان قادة المقاومة – ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية – عن وضع السلاح، وإدانة استخدام القوة ضده، وهو ما تم التوقيع عليه في (أوسلو) عام 1993م، وما تبعه من مؤتمرات (كامب ديفيد – 2000م)، ثم (شرم الشيخ) عام 2005م، وصولاً إلى (أنابوليس) نوفمبر عام 2007م والتي لم يسفر أي منها عن إيجاد حلّ سلمي عادل للقضية الفلسطينية.

       عندما فشلت محاولات التسوية النهائية في (كامب ديفيد – 2000م)، عادت بعض المنظمات الفلسطينية إلى خيار المقاومة المسلّحة، وبرزت على الساحة الفلسطينية منظمات: (حماس)، و(الجهاد الإسلامي)، و(كتائب الأقصى) التابعة لمنظمة (فتح)... وغيرها، وأوقعوا بالعدو الصهيوني الكثير من الخسائر البشرية عبر العمليات الاستشهادية التي كانت تتم في المدن الإسرائيلية، وتبثّ الذعر والرعب في نفوس الصهاينة – حكومة وشعبًا – حيث أدّت إلى مقتل (1048) إسرائيليًا، الأمر الذي دفع القيادة الإسرائيلية إلى البدء في بناء (الجدار العازل) في يونيو 2002م، لمنع تسلل الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل والقيام بعملياتهم الاستشهادية، على الرغم مما في بناء هذا الجدار من انتهاك صارخ للقانون الدولي – حسب تصريح قضاة المحكمة الدولية – وتبني الأمم المتحدة في 21/7/2004م قرارًا بهدم هذا الجدار العنصري لعدم شرعيته.

       وقد اتَّبَعَتْ إسرائيل بناء (الجدار العنصري) بخطوات سياسية أخرى لتفكيك المقاومة وإضعافها، كان أبرزها انسحاب القوات الإسرائيلية (من طرف واحد) من قطاع غزة وتشجيع الانتخابات الفلسطينية؛ وذلك بهدف إشغال الفلسطينيين بالصراع السياسي على السلطة والحكم، وهو ما تحقق على أرض الواقع بعد أن اختار الشعب الفلسطيني حكومته من عناصر حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فسارعت إسرائيل وأمريكا بعدم الاعتراف بالحكومة المنتخبة من الشعب الفلسطيني ديمقراطيًا – وبمراقبة للانتخابات شارك فيها الأمريكيون أنفسهم – بزعم أن (حماس) منظمة (إرهابية)؛ ووضعتا في طريقها عديدًا من العراقيل لتعوّق أداءها لمهامها الداخلية – كامتناع أمريكا من تقديم أي مساعدات مادية لها، كما كانت تفعل مع فتح، وامتنعت إسرائيل عن تسليم حكومة حماس مبالغ الضرائب الخاصة بالشعب الفلسطيني وجمّدتها لديها في البنوك – لتضغطا على تلك الحكومة المنتخبة فتنسحب من السلطة، ومن ثم تصبح الأمور بأيدي السلطة الوطنية الفلسطينية المؤيِّدة للتسوية السلمية مع قوات الاحتلال.

       لكن (حماس) – بدعم من قاعدتها الشعبية العريضة – صمدت أمام تلك العراقيل، وكشفت للشعب الفلسطيني والشعوب العربية والرأي العام العالمي، أن الدعم الدولي الذي كان يُقَدَّم للسلطة الوطنية الفلسطينية من قبل، لم يكن نزيه المقصد شريف الغاية، وإنما كان على حساب تسوية القضية الفلسطينية لغير مصلحة الشعب الفلسطيني، وتقديم أكبر قدر من التنازلات للعدو المحتل؛ كما كشفت (حماس) عن كثير من العلاقات السرية التي تضمنها اتفاق (أوسلو)، والتي توجب على السلطة الوطنية الفلسطينية التصدّي لفصائل المقاومة وملاحقة قادتها وعناصرها؛ فضلاً عن أنها أوقفت الفساد وإهدار المال العام الذي كانت تمارسه السلطة قبل تولي (حماس) للحكومة.

       ولم تكن إسرائيل لتترك (حماس) تنعم بثقة واحترام الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية وتأييدها، لتصبح – بسلوك قادتها المتميز – قدوة لغيرها في هذا الصدد؛ فبادرت إلى الحملات العسكرية المكثّفة لإزعاج (حماس) وحملها على التخلّي عن الحكم لصالح الطرف الفلسطيني الأكثر قبولاً للتسوية السلمية مع إسرائيل؛ وخلال تلك الحملات احتلت إسرائيل عددًا من مدن قطاع غزة عدة مرات – مثلما فعلت في: (رفح) و (خان يونس) و(بيت حانون) – لاعتقال عناصر المقاومة التابعة لحماس؛ ولكنها كانت تبوء بالفشل، وقد اشتهرت في هذا الصدد حملة الصهاينة على (بيت حانون) ومحاصرتهم لبعض عناصر المقاومة في أحد مساجد المدينة، وتمكُّنُ النساء الفلسطينيات من فك حصار المقاومين وإخراجهم من المسجد وهم يرتدون ملابس نسائية، ما اعتُبر في حينه سابقة بطولية قوَّت روح المقاومة وأضفت المزيد من المصداقية والاحترام – من العدو نفسه – على نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.

       ومع فشل الأساليب السالفة في إسقاط حكومة (حماس) من السلطة، لجأت إسرائيل والولايات المتحدة إلى السلاح التقليدي اللاأخلاقي (فرّق تسد)، فأشعلتا فتيل الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، من خلال دعمهما لمنظمة (فتح) وتضييقهما على منظمة (حماس) وغيرها من منظمات المقاومة، ما أدى إلى التصادم والقتال بين الطرفين، فقامت (حماس) بالسيطرة على قطاع غزة في 14/6/2007م ومنعت عناصر الأمن التابعة للسلطة الوطنية من دخولها؛ فانتهز رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (محمود عباس) الفرصة – وأعلن إقالة حكومة (حماس) الشرعية المنتخبة، وعيّن بدلاً منها حكومة طوارئ بقيادة (سلام فياض).

       وتكرّس الانقسام الفلسطيني برفض (حماس) لقرار إقالتها واستمرارها في السيطرة على قطاع غزة؛ فقامت الولايات المتحدة وإسرائيل بفرض حصار خانق على أهالي غزة – استمر أكثر من عام ونصف – لإثارة الشعب الفلسطيني في غزة ضد عناصر حماس وقادتها؛ ولكن الشعب الفلسطيني الواثق في حكومة حماس ووطنيتها ونزاهتها لم يَثُرْ عليها، وظلّ يتحمّل الحصار وتبعاته حتى يونيو من عام 2008م، وهو التوقيت الذي كان المؤلف يعدّ فيه الكتاب للطبع.

       وقد اختتم المؤلف هذا القسم من كتابه بنبذة مختصرة عن أهم مدن فلسطين – كالقدس، والخليل، وغزة، ويافا، وعكا – وأشهر المساجد الفسلطينية – كالمسجد الأقصى، ومسجد الجزار، ومسجد يافا الكبير.

 

القسم الثاني: (مدينة القدس والمسجد الأقصى: ملامح تاريخية وجرائم صهيونية):

       تناول المؤلف في هذا القسم – بالتفصيل – موقع مدينة القدس وجغرافيتها وتاريخها وحكّامها منذ أقدم العصور – بدءًا باليبوسيين، ومرورًا بعهدي داود وولده سليمان (عليهما السلام)، فالبابليين، فاليونانيين، فالفرس، فالرومانيين، إلى أن فتحها المسلمون في عهد (عمر بن الخطاب) (رضي الله عنه)، واستمرت تحت حكمهم حتى نهاية الحكم العثماني أوائل القرن (19م)، حيث قُسِّمَت أملاك الدولة العثمانية على المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، و وُضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني.

       وخلال فترة الانتداب (1922-1948م)، تم تهويد مدينة القدس وفق خطة متعددة المراحل والأساليب، بحيث يسهل تقسيمها إلى مدينتين عند انتهاء الانتداب، وهو ما حدث عام 1948م بعد اتفاق الهدنة، حيث أصبح هنالك (قدسان) لاقدس واحدة كما كانت في العهد العثماني، قدس تمثّله المناطق الفلسطينية تحت السيطرة الأردنية ونسبته لا تتجاوز (11,48٪) من مساحة القدس التاريخية، وقدس محتل من قبل الصهاينة وتمثّل نسبته (84,13٪)، أما النسبة الباقية (4,40٪) فكانت مناطق محرّمة ومناطق تابعة للأمم المتحدة. وبعد هزيمة العرب عام 1967م أصبحت القدس بأكملها خاضعة للصهاينة اليهود، الذين بدأوا الترويج لمقولة: "القدس الموحدة، عاصمة إسرائيل الأبدية" والتي تجد التائييد التام عليها من الولايات المتحدة الأمريكية.

       أما (المسجد الأقصى)، فقد أوضح المؤلف أنه مصطلح تاريخي يُطلق على كل ما يقع داخل (سور الحرم القدسي) – الواقع فوق جبل الموريا في الجنوب الشرقي للقدس القديمة – من أبنية إسلامية، أشهرها: مسجد قبة الصخرة، ومسجد عمر بن الخطاب؛ فضلاً عن (200) مَعْلَم آخر ما بين مساجد، ومبانٍ، وقباب، وأسبلة مياه، ومصاطب، وأروقة، ومدارس، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وآبار، وأبواب، ومكتبات. وقد تناول المؤلف أشهر هذه المعالم بالشرح المفصّل؛ وأوضح ما يتعرّض له (المسجد الأقصى) من مخاطر تهدد وجوده، حيث تدعم حكومة الاحتلال المزاعم الصهيونية بأن المسجد الأقصى قائم فوق أنقاض ما يُعرف بـ(هيكل سليمان)، وأنه لا معنى لدولة إسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل – كما قال رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق (بن جوريون).

       وقد بُدِئَ التخطيط الصهيوني لإزالة المسجد الأقصى منذ عام 1933م عندما اقتُطِعَ أحد حوائط المسجد (حائط البراق) – بزعم أنه أثر يهودي (حائط المبكى) – ومُنِع المسلمون – بمساعدة البريطانيين آنذاك – من الوصول إليه، ثم تتابعت المحاولات الصهيونية – ومازالت – لهدم المسجد عبر الحفريات والأنفاق التي تُشقُّ تحت أساساته، فضلاً عمّا يتعرّض له بين الحين والآخر من جرائم الإحراق والتخريب والتفجير والاقتحام من قِبل جنود الاحتلال والمتطرفين اليهود وإطلاق النار على المصلين فيه، وتقييد حرية المصلين في الوصول إليه والصلاة فيه، ناهيك عن منع إعادة إعماره وترميمه. وقد أورد المؤلف تفصيلاً لتلك المحاولات والجرائم. واختتم هذا القسم من كتابه بإيراد قائمة تشتمل على مساجد مدينة القدس، محدِّدًا الأحياء التي توجد فيها، والأوضاع الحالية لهذه المساجد؛ كما أورد قائمة أخرى تشتمل على من دُفِن في (القدس) من الصحابة (رضوان الله عليهم)، وثالثة تشتمل على أسماء كبار الشخصيات بمدينة القدس، ورابعة بالمقامات الموجودة بالمدينة، وخامسة بأشهر مقابرها، وسادسة بأشهر الأسواق التي تشتمل عليها مدينة القدس.

 

القسم الثالث: (ملف كامل للمذابح الصهيونية منذ عام 1947م، وحتى عام 1996م):

       تضمّن هذا القسم من الكتاب ملفًا مفصَّلاً للجرائم البشعة التي ارتكبها الصهاينة ضد الفلسطينيين والعرب في سبع وثلاثين مذبحة، بدءًا بمذابح قريتي: (الشيخ) و (حواسه) التي ارتكبت في 31 ديسمبر من عام 1947م، وحتى مذبحة (قانا) التي ارتكبت في 18 أبريل من عام 1996م؛ مبرزًا توقيت هذه المذابح، وأسبابها، والأساليب الوحشية التي استخدمت فيها، وما خلّفته من شهداء وجرحى، والأهداف الكامنة خلف ارتكاب الصهاينة لها، وكيفية تهربهم من الإدانة والمسؤولية عن تلك الجرائم، ومن ثم تعرّضهم للمساءلة والعقوبة من الجهات الدولية المعنيّة بتلك الجرائم.

 

القسم الرابع :

       وهو أكبر أقسام الكتاب حجمًا، ويتضمن سلسلة المقالات – (76) مقالة – التي كتبها المؤلف عن القضية الفلسطينية – منذ عام 1982م – ونشرها تباعًا – حتى عام 2008م – في مجلة: (الداعي) – التي تصدر شهريًا باللغة العربية عن الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند، الهند – متخذًا من الأحداث والتطورات التي تمت خلال تلك الفترة مدخلاً لعرض آرائه وأفكاره – المنطلقة من رؤية إسلامية – في تلك الأحداث والتطورات وتحليلها وتقويمها؛ وسوف نتناول فيما يلي بعضًا مما جاء في تلك المقالات، موضحين ما تضمنته من أفكار المؤلف وقناعاته.

       في مقالة بعنوان: (أما لهذا الليل من صباح؟) كتبها المؤلف – في شهر مايو 1983م – بمناسبة ما أُذيع – عبر وسائل الإعلام – عن إصابة (300) طالب فلسطيني من مدينة (طولكرم) بالتسمم، وقد أكّد فيها المؤلف على أن ما حدث هو إحدى الوسائل التي تستخدمها إسرائيل ضد الجيل الجديد من شباب العرب؛ إلاّ أن أبرز ما تضمَّنته تلك المقالة هو إشارة المؤلف إلى تعامل كل من الصهاينة والعرب مع (قضية فلسطين) حيث يقول: " والعدوّ يرى كل ما يصنعه واجبًا دينيًّا مقدّسًا، كل من شارك فيه بحبة خردل فله الجنة؛ ولذلك فلا يتحرّج من إعمال أي وسيلة إنسانيّة وغير إنسانية؛ فالإنسان في نظره عبارة عن اليهود. وغيرهم لايجوز أن يكون إنسانًا يُعَامَل معاملةً إنسانية... بينما نحن نرى القضيةَ بمنظور سياسي بحت، ولكل بلد منظاره السياسي الخاصّ... فلن تتّحد النظرة"؛ ثم يقرر المؤلف رأيه في كسب تلك القضية بالقول: "لن يمكن كسبُ القضية الفلسطينية، والانتصارُ في المعركة اليهودية – الإسلامية، إلاّ إذا اعتبرها العربُ – الذين يُرِكِّزُون دائمًا على الجانب السياسي – قضيةً دينيةً، وهنالك تجتمع القلوب وتتحد الصفوف، وتتحرك الأقدام"، ص 210.

       وفي مقالة له بعنوان: (لقد أعذرك من أنذرك أيها العرب!)، كتبها – في سبتمبر 1993م – بمناسبة الاعتداء الاسرائيلي على جنوب لبنان، أوضح المؤلف رأيه وقناعته بشأن اعتماد الدول العربية على أمريكا وغيرها من الدول الغربية، أو الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية بقوله: "والذي يثق بأن (أمريكا) أو (بريطانيا) أو (فرنسا) أو (ألمانيا) أو غيرها من الدول الأوربية أو كلّها بالمجموع، أو (الأمم المتحدة) أو (مجلس الأمن) أو (اليابان) أو (الصين الشعبية) أو (روسيا) المنافقة؛ ستَرْدَعُ - اليوم أو غدًا أو في أيّ يوم من الأيام الممتدة إلى قيام الساعة - إسرائيلَ المطبوعة على الجرائم، والمُقَامَةَ على العدوان والإرهاب، والمُؤَيَّدَة من جميع دول القوى الإرهابية العدوانية، ستَرْدَعُها عن خبثها وعن شرّها؛ الذي يثق بذلك فهو نوعٌ من الحَمْقَى... واللجوءُ إلى ما يُسَمَّى بـ(الأمم المتحدة) لحلّ القضايا العربية الإسلامية، هو في الواقع لجوءٌ إلى الأبالسة لكسب الصلاح وتهذيب النفس، وإلى الشياطين لاستجداء الهداية منها، وإلى الذئاب لتَحْرِس الشياهَ، وإلى السارقين وقُطّاع الطريق لتصون الأنفسَ والأموالَ!!" ص249.

       - وفي مقالة بعنوان: (هذا الاتفاق كارثة فاجعة)، كتبها المؤلف – في شهر أكتوبر 1993م – بمناسبة الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي (غزة – أريحا أولاً)، وأوضح ما ينطوي عليه الاتفاق من خطورة، أقلّها أنه قد قسّم الصف العربي الموحّد تجاه القضية الفلسطينية إلى صفين متضادين، وهو ما انعكس في الإعلام العربي بصورة جلية أشار إليها المؤلف بقوله: "غير الإسلاميين من الإعلاميين عرضوا هذا الحادث/الكارثة كأنه أكبر انتصار يحققه العصر الحديث، ليس على مستوى ما يسمونه (الشرق الأوسط)، أو العالم العربي والعالم الإسلامي، ولكن على مستوى العالم كله، بما فيه شَطْرُهُ الأكبر: أمريكا وأوروبا الراعيتان للربيبة (الغالية) الكيان الصهيوني ... وتناوله الإعلاميون الإسلاميون حقًا، كرزيَّةٍ (أي مصيبة)". ص 259-260.

       - ثم شرع المؤلف يوضح المخاطر المحتملة جراء هذا الاتفاق على الشعب الفلسطيني وقضيته، فأوضح "...أن الصهاينة وضعوا (عرفات) ورفاقه من خلال هذا الاتفاق المشبوه – حسب ملاحقه السرية – في وجه الجماعات الفلسطينية الإسلامية المعارضة لاتفاقية السلام... وبذلك فقد كلّفت إسرائيل (عرفات) ورفاقه بالدفاع عنها، وجعلتهم يقومون بالحراسة والخفارة لمصالحها.. ووضعتهم في موقف التناحر والاقتتال مع بني جلدتهم، والخوض في حرب أهلية شرسة لا يعلم إلاّ الله مدى أضرارها وخسائرها وأخطارها". ص 261.

       وفي مقالة بعنوان: (اليهود بالأمس، هم اليهود اليوم) كتبها – في نوفمبر 1996م – أظهر المؤلف المكاسب التي حصلت عليها إسرائيل من اتفاق (أوسلو) بقوله: "وللعبرة نذكر أن معاهدة (أوسلو) جاءت مكاسب أي مكاسب لصالح إسرائيل؛ فهذه المعاهدة هي التي أتاحت لإسرائيل أن تخرج فجأة من عزلتها الدولية، فقد سارعت(60) دولة كانت تنتظر بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي يُتاح لها فيه أن تعاود علاقاتها مع إسرائيل، من الشرق إلى الغرب، للاعتراف بإسرائيل واستئناف العلاقات الدبلوماسية، والتجارية وكذلك العسكرية معها، بالإضافة إلى كثير من الشركات العالمية التي تطالب بإلغاء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل بشكل نهائي". ويرى المؤلف أن إسرائيل قد وضعت السلطة الفلسطينية في ورطة كبرى من خلال معاهدة (أوسلو) وما بعدها، وذلك لأنه: "مهما امتنعت إسرائيل عن الانسحاب الكامل عن الأراضي العربية المحتلة في يونيو 1967م – وكلُّ المؤشرات تؤكد أنها لن تنحسب – فإن العرب ليس بإمكانهم – ولن يكون بإمكانهم – مطالبة العالم بقطع علاقاته مع إسرائيل، وبفرضه على إسرائيل العزلة السابقة من جديد؛ إن ذلك أكبر مكسب حققته إسرائيل من خلال معاهدة (أوسلو) الاستسلامية وما بعدها". ص334-335.

       وفي مقالة بعنوان: (الأيام في انتظار من بيده يتم زوال إسرائيل الحتمي) كتبها – في شهر يوليو 1998م – بمناسبة احتفال إسرائيل بمرور خمسين عامًا على إقامة كيانها المحتل في فلسطين، أشار المؤلف إلى أن الذي أطال عمر الاحتلال ومكّنه من أرض فلسطين هو تثبيط روح الجهاد في شباب الأمة، حيث يقول: "وعبر هذا التاريخ الطويل، وطوال مشوار النضال والكفاح ضد العدو، حاول العدو وحلفاؤه من الإنجليز والغرب والأمريكان أن لا تثور في فلسطين والعرب روح الجهاد، وأن لايتسم نضالهم بروح الدين، ولا يحضر في قلوبهم وأذهانهم كون المقاومة ضد العدو إسلامية عقدية، بينما التزم العدو في معركته معنا منذ اليوم الأول بالروح الدينية، وصدر دائمًا عن معتقداته الفاسدة وأساطيره الكاذبة.. مصيبة العرب والفلسطينيين أنهم أسقطوا الإسلام من حسابهم، على حين أن القضية كانت – ولا تزال وستظل – (قضية إسلامية) و (قضية عَقَدية)؛ وكانت المعركة مع العدو – ولا تزال وستظل – (معركة جهادية)". ص 358-359.

       وفي مقالة بعنوان: (لن تضيع القدس ووراءها مليارات من المسلمين) كتبها – في شهر سبتمبر 2000م – بمناسبة اتفاقية (كامب ديفيد – 2) التي حاول فيها الأمريكيون الضغط على الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) ليعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فكان ردّه: "إنه لايمتلك اتخاذ قرار بشأن (القدس) و(الأقصى)، لأنهما ملك ومسؤولية العرب والمسلمين كافة. [وهذا الصمود] حوّله فجأة قائدًا محبوبًا لدى المسلمين بعامة والفلسطينيين بخاصة، مما يدل على مدى تعلّق قلوب المسلمين بهذه القضية الأولى بين القضايا الإسلامية كلها". ص 381. وفي المقالة نفسها يبرز المؤلف أسباب الانحياز الأمريكي السافر لإسرائيل على حساب الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، فيقول: "إن الضغوط السافرة التي يمارسها (بيل كلينتون) – الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت – نحو الفلسطينيين، لو ساءله أحد في شأنها، وطلب منه علّة معقولة لهذا الانحياز السافر والتأييد المكشوف للصهاينة، لما قدر على الجواب سوى أن يقول – فيما إذا كانت لديه جراءة خلقية – : إن العلة الأساسية إنما هي معاداتنا للإسلام والمسلمين، ووقوعنا في الغرام مع اليهود التي تتصل بها مصالحنا السياسية أيضًا، لأنها سيطرت اليوم على السياسة والاقتصاد والإعلام والاستخبارات لدينا، وكادت تترجم بروتوكولات حكماء صهيون إلى واقعٍ عملي في كثير من النواحي الحياتية في المجتمع الأمريكي الذي يكاد يكون مستعبدًا للسياسة اليهودية!". ص 382-383.

       وفي مقالة بعنوان: (إن التاريخ لن يغفر جريمة التخاذل والتقاعس في شأن القضية الفلسطينية) كتبها – في شهر نوفمبر 2001م – أكَّد المؤلف على أن الانحياز والتواطؤ الأمريكي الغربي مع إسرائيل لن يتبدل، وعن ذلك يقول: "لنعِ جيدًا ونسجّل بحروف عريضة وبكل تأكيد أن أمريكا وبريطانيا والغرب وشياطين الشرق، لن تنصف القضية الفلسطينية، ولن تتنازل – ولو موقتًا – عن مساندة إسرائيل، ولن تتراجع عن تحويلها غولاً مخيفًا هائلاً في المنطقة، وقوة رهيبة تقدر على ابتلاع الفلسطينيين والعرب أجمعين، ولن ترضى – ولو بمجرد إدانة إسرائيل بممارستها للإبادة الجماعية للفلسطينيين". ص 464. وهذا المشهد هو ما نراه اليوم ماثلاً أمام أعيننا، حيث إن أيًا من تلك الدول أو غيرها لم تتجرأ على إدانة العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة منذ 27/12/2008م، واستمر على مدى ثلاثة أسابيع متتالية يقتّل الأطفال والنساء والشيوخ ويدمّر الممتلكات ويقصف المدارس والمساجد والمستشفيات، بل والمقابر دون اكتراث بالقرار الذي صدر عن مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.

       وفي مقالة بعنوان: (لقد نجحت حماس، فهل ينجح الشعوب والقادة المسلمون؟) كتبها – في يونيو 2006م – بمناسبة انتخاب الشعب الفلسطيني لحكومته من عناصر (حماس) الإسلامية، وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والاتحاد الأوروبي عداءهم لها؛ حيث يعتبر المؤلف هذا الحدث دليلاً على يقظة الروح الدينية في الشعب الفلسطيني الذي اختار (حماس) لانتمائها الإسلامي ولرفضها الانصياع لشروط الاستسلام للصهاينة، ولتمسكها بخيار المقاومة؛ يقول المؤلف عن فوز حماس وموقف الأمريكيين والغرب منها: "ما إن وصلت حماس إلى الحكم حتى فرضت أمريكا والاتحاد الأوروبي الحصار الاقتصادي الشامل ضدها، وامتنعت عن التعامل معها بشكل من الأشكال، مرددة كلمة واحدة: لتعترف حماس بإسرائيل، وبسريان مفعول الاتفاقات السلامية المبرمة بين إسرائيل وفتح، ولتنته عن إرادتها لمقاومة إسرائيل المسلحة. وقد صرّحت حماس أنها لن تخضع أمام شروط أمريكا والغرب وإملاءاتها الظالمة، وقد صوّت الشعب الفلسطيني لصالح موقفها الإسلامي ومبدئها المتمثل في المقاومة والصمود في وجه الوحشية الإسرئيلية". ص 570.

       ويؤكد المؤلف على أن الموقف الأمريكي والغربي من "حماس" هو خير دليل على نفاقهما وتبنيهما للظلم والاستعمار والاستعباد تجاه المسلمين؛ وهو موقف مألوف منهم، ولكن غير المألوف هو قبول العرب لذلك الظلم وعدم رفضهم له. وعن ذلك يقول: "ليس العجب موقف الغرب وأمريكا تجاه كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، وإنما العجب تغاضي القادة والحكام المسلمين والعرب عن كل موقف عدائي للغرب وأمريكا من الإسلام". ص571.

       في مقالة بعنوان: (صنائع ساء صانعها فساءت) كتبها – في سبتمبر 2007م – يشير المؤلف إلى نجاح الصهاينة في تجنيد بعض الشخصيات الفلسطينية لتحقيق مصالح إسرائيل؛ حيث ذكر أن بعضهم قد تورّط في التعاون مع المخابرات الإسرائيلية والأمريكية بشكل منتظم، وذهب يعدّد ما قامت به تلك الشخصيات من جرائم مخزية في حق الشعب والمقاومة الفلسطينية، من قتل قادتها واعتقال عناصرها وتعذيبهم داخل السجون الفلسطينية، وحق إساءة الجوار إلى (مصر) وإغراقها بالمخدرات المهرّبة من إسرائيل عبر قطاع غزة، وترويجها لملايين الدولارات المزيفة في المناطق السياحية بسيناء لضرب السياحة هناك، وتحريضها لبدو سيناء للتهديد باللجوء السياسي لإسرائيل والقيام بعمليات تخريبية ضد الأماكن السياحية في سيناء... إلى غير ذلك من الأعمال التي تحقق مصالح الصهاينة وتضرّ بالفلسطينيين والمصريين. ص 626.

       وفي مقالته الأخيرة بعنوان: (حصار غزة وموقف القادة والساسة) – والتي نشرت في شهر يونيو 2008م – تتبّع المؤلف آثار الحصار الظالم الذي فرضه الصهاينة على أهالي (غزة) وعجز العالم – الذي يدعي التنوّر والتحضّر والحرص على حقوق الإنسان؛ بل والحيوان – عن رفع معاناة الفلسطينيين وفك الحصار عنهم، واكتفى بأن "يقف اليوم متفرجًا على هذه المشاهد الفظيعة، خاليًا من كل إحساس، عاجزًا عن التفاعل مع هذه الانتهاكات الصارخة تجاه آدمية شعب بأكمله لم يرتكب ذنبًا سوى أنه عربي مسلم يودُّ – مصرّاً – أن يتاح له أن يعيش في بيته الذي شُرّد منه ظلمًا واستكبارًا" ص 636.

       وأصدر مؤلفنا كتابه قبل أن يقوم الصهاينة في 27 ديسمبر من عام 2008م بأبشع مذبحة ضد الشعب الفلسطيني المُحَاصَر في غزة، فيقتل ويجرح الآلاف من أبنائه ويخرّب ويدمّر ممتلكاته بقذائفه التقليدية والعنقودية والفوسفورية، وبقواته الجوية والبحرية والبرية، ويقف قادة العالم – بدم بارد وضمير متحجّر – يرقبون ما يجري دون أن يجبروا الظالم المعتدي عن وقف ظلمه وبطشه، بل إن بعضهم قد أوجد للمعتدي مسوغًا لما يفعل كونه يدافع عن نفسه ضد العدوان الفلسطيني عليه!، ويا لحمرة الخجل!!.

 

خاتمة :

       أزعم أننا أمام سجِلٍّ مكتمل للقضية الفلسطينية، منذ أن كان قدوم اليهود الصهاينة إلى أرض فلسطين ليدنسوا ثراها الطاهر بإقامة كيانهم الغاصب على أرضها، مجرد حلم يراود قادتها، وحتى تحوّل هذا الكيان المحتل إلى قوة إقليمية عظمى في المنطقة، تعربد فيها كيفما شاءت؛ وتعتدي فيها على من تريد ؛ غير أن إصرار بعض فئات الشعب الفلسطيني على المقاومة والنضال المسلح ضد هذا العدو الغاصب، وانطلاقهم في هذا النضال من قناعاتهم الدينية العقدية الإسلامية، تجعل الأمل معقودًا في أن يأتي الجيل المسلم الذي يحرِّر الأقصى، ويعيد إلى فلسطين وجهها الإسلامي المشرق، وما ذلك على الله بعزيز.

 

          وتبقى الإشارة أخيرًا إلى أن هذا السفر القيّم، قد دُوِّن بأسلوب أدبي رصين ولغة بليغة راقية، ودُعِّم بالشروح والتفاصيل، وزوِّد بالأرقام والتواريخ لما تضمنه من حقائق ومعلومات ورؤى وتحليلات؛ وهذا مما يعلي من قيمة الكتاب وفائدته لقارئه، الذي – لاشك – أنه سيُقرُّ بصواب المؤلف وبلاغته وحنكته في اختيار عنوان كتابه: (فلسطينُ في انتظارِ صلاحِ دينٍ).

 

جمادى الأولى – جمادى الثانية 1430 هـ = مايو - يونيو 2009 م ، العدد : 5-6 ، السنة : 33