العالم الإسلامي

إلى من يهمه الأمر

 

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

 

أولاً: يئن الوطن العربي من مشاكل وأزمات ألمت به وجعلته فريسةً للتفكيك والتشتت، وللخروج منها لابُدَّ أن نتعامل معها كما لو كنّا أبناء بلد واحد، وأن نعترف بالحقائق والمسلَّمات الآتية: ليس الاستقلال أن يخرج الجندي الأجنبي من أرضنا، تاركاً أتباعه وأعوانه ينهبون ثرواتنا ويستترفون خيراتنا؛ ولكن الاستقلال هو السيادة الوطنية على كل شبر من الأراضي العربية، والتخلص النهائي من أية قواعد عسكرية أجنبية، وعدم الاشتراك في أحلاف عسكرية مع دول أجنبية، والاستقلال في كل قرار يخص مشاكلنا، فلا يكون لأحد حق الوصاية علينا. والاستقلال الحقيقي يعني ألا نهرع إلى الشرق أو الغرب، في كل كبيرة وصغيرة من أمورنا طالبين النصيحة، وألا نكون تلاميذ ننقل عنهم كل ما يتداولونه، حتى لو كان ضارًا بواقعنا ومصالحنا، وينبغي أيضًا أن نعتمد على أنفسنا، فلا نكون تابعين اقتصاديًّا وسياسيًّا لأية دولة أجنبية، ولا نكون ولايةً من ولاياتها. لابدَّ أن نعمل من أجل التغييرات المنشودة في منظومة توجهاتنا السياسية والاقتصادية، بما يضمن لنا التكامل والتعاون والوحدة الاقتصادية، والأفضل دائمًا أن نتغاضى عن اختلافات أنظمة الحكم في البلدان العربية. حرية التعبير تدعم الاستقلال وتصونه، لذلك ينبغي أن يشارك كل فرد في عملية الحوار البناء، بعيدًا عن التيارات والشعارات البراقة، لكي لا يسقط في فخ بائعي الأوهام، والوعي الصحيح الناضج يمكن صاحبه من التميز بين الخطأ والصواب، على قاعدة العمل من أجل مستقبل أفضل. حماية الاستقلال تتطلب تحقيق العدالة والمساواة بين فئات الشعب، واحترام حقوق الإنسان وتلبية حاجاته وتطلعاته، فالققر علة تُهدِّد استقرار المجتمعات. الاستقرار يعني تطوير التشريعات والقوانين على أن يكون الشعب رقيبًا على الحياة السياسية، وأن تكون الحكومات معبرةً عن مصالح الشعوب. حماية مستقبل الأجيال القادمة تعني التصدي لأطماع الدول الاستعمارية الكبرى، ومخططاتها لابتلاع خيرات الأوطان وثرواتها الطبيعية، فالاستعمار الجديد يستخدم أساليب عديدةً وجديدةً للوصول إلى غاياته وتحقيق أطماعه .

     ثانيًا: من الظواهر التي طفت على سطح الحياة السياسة في أمتنا، وأتت بنتائج أفسدت علينا حياتنا، هي تعدد الآراء، والاختلاف الشاسع في وجهات النظر، حول كل قضية صغرت أم كبرت، عظم شأنها أم قلّ، وتعدد الآراء واختلافها يصح إذا كانت جميعها تنبع من معتقد واحد، وكلها يبتغي بها وجه الله. أمّا إذا تعددت المعتقدات والمذاهب، وخضعت الآراء للأهواء والمصالح الشخصية، وأسلمت وجهها تارةً للشرق الشيوعي وتارةً للغرب الصليبي فإنها تصبح ظاهرةً مرضيةً يجب علاجها، وقد يطول العلاج أو يقصر، تبعًا لعودتنا إلى عقيدتنا، وصلابة تمسكنا بها، واتخاذها منطلقًا لرؤية وحل مشاكلنا. خاصةً بعد أن فطن الشرق الشيوعي لفساد وفشل نظرياته التي طالما أسبغ عليها المديح، وها هي الأزمة المالية العالمية تجبر كثيرًا من دول العالم الرأسمالي على الاعتراف بفشل نظرياته هو الآخر. ومما لاشك فيه أنه إذا كانت تربييتنا وثقافتنا إسلاميةً، فالكل سينطق في وقت واحد هذا حلال وذاك حرام، وإذا وُجد فينا من يختلف معنا في القليل والنادر من الأمور، فإنه سوف لا يختلف معنا في أن مرجعنا جميعًا إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما اختلفنا فيه. قديمًا قالوا: "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضيةً" ولكن القضية هنا أكبر من أن تتشعب حولها الآراء؛ لأنها قضية عقيدة ودين، وهي لا تخضع مطلقًا للآراء الذاتية والمصالح الشخصية، وعلى الدعاة والمصلحين وأجهزة الإعلام بشتى أنواعها أن يفطنوا إلى ذلك ويجعلوه في الاعتبار، فإن لم يفعلوا ناشتنا السيوف من كل جانب.

     ثالثًا: الكل يتكاتف ويتعاون وترصد له الإمكانيات والطاقات من مادية وبشرية وأجهزة علمية صُنِعَتْ خصيصًا لمثل هذه الأغراض، ولكن ضد من؟ وما هذه الأغراض؟. إنها ضد قلة لا يملكون إلا إيمانهم القوي بالله، وتماسكهم بكتابه وسنة رسوله، كعقيدة وكمنهج. خصصت لهم هذه الأجهزة للفتك بهم، وإخراجهم عن رشدهم، بعد أن هداهم الله، ومن يهده الله فلا مضل له. ولكن لا عجب من ذلك فمنذ بدء الدعوة الإسلامية، وحتى يومناهذا، تعرض الإسلام، لتيارات من التشكيك فيه، وتعرض المسلمون لشتى أنواع العذاب والتنكيل والتجهير من قِبَلِ الحاقدين على الإسلام، والمتسلِّطين على أمور الحكم في بلاد المسلمين، والمنتفعين من بعد المسلمين عن إسلامهم، ولكن لم ولن يتحقق غرضهم في البطش بالمسلمين. لا عجب في أن تكمم أفواه المسلمين، وتصادر حريتهم، بينما ضحكات الغانيات وصرخاتهم تدوي عاليةً في كل مكان، وبينما عتاة الإجرام يعبثون بالحياة وهم بكامل حريتهم، بل تخصص لهم من يحميهم، ومن يخترع لهم المبررات لأفعالهم ليخلدها كبطولات، نجد المشانق تنصب للمسلمين. ولا عجب في أن تحبس الفضيلة وتطارد الأخلاق والقيم النبيلة ويشوه الصالحون. لا عجب ممن ارتضى الإسلام دينًا إذا هو نفسه شكك في مدى صلاحية الإسلام كنظام للحياة يشبع الحاجات الروحانية والمادية، الدينية والدنيوية، ولا عجب عندما يُصاب البعض بالهلع والخوف عند سَماع تطبيق الشريعة الإسلامية؛ لأنهم لا يعلمون ما هو الإسلام؟

     رابعًا: مما لاشك فيه، أن العالم المتحضّر اليوم، يبذل قُصارى جهده، من أجل إعطاء مزيد من الحرّيات للإنسان والارتقاء بالإنسانية، ومساواة الناس أمام القانون، وفي الحقوق والواجبات، وعلى العكس من ذلك تسير الأمور في بعض الدول المختلفة، حيث تستأثر بالامتيازات والمخصصات قلة قليلة من الناس، بينما باقي الأفراد يعانون من الحاجة والعوز، تمامًا كما كانت الحال في القرون الوسطىٰ، ففي الوقت الذي ترتفع فيه أسعار بعض السلع والخدمات على عامة الشعب، نجد من ينهك قواه في التحايل على القانون، لإيجاد منفذ أو ثغرة أو حجة حتى تبقى له الأسعار كما هي، ولا يشعر بأية زيادة فيها أو عبء جديد عليه من إجرائها. وعند ارتفاع أسعار البترين ترتفع تلقائيًا أجور المواصلات، ويترتب على ذلك أن أولئك الذين لاتسمح لهم مداخلاتهم بمواكبة الزيادة الجديدة، سوف يلجأون إلى وسائل التنقل الأقل كلفةً، مما يشكل عبئًا جديدًا على المواصلات الرخيصة، ينعكس على مستوى خدمتها، وبالتالي على المستفيدين منها، في الوقت نفسه هناك من يسيئون استعمال الممتلكات العامة، مستغلين علاقاتهم مع الهيئات والوائر الرسمية، الأمر الذي ينطبق على الانتفاع من سائر الخدمات واستعمال المرافق العامة، في ما لا علاقة له بالشأن العام. وإذا ما كانت الحاجة ماسةً وضروريةً أحيانًا لزيادة أجور النقل والمواصلات أو غيرها من الخدمات، فينبغي إلغاء الاستثناءات كافةً من كل المجالات وكل القطاعات، والقضاء بشتى الوسائل على المحسوبيات والوساطات، ووقف كل التحايلات على القوانين، وسد ما فيها من ثغرات لكي تتحقق المساواة بين الناس، ولا تبقى مجرد نظريات وقوانين على الورق فقط .

     خامسًا: من المتابعة لـمّا يُضبط من جرائم، وما ينشر عنها في الجرائد والمجلات، نستدل كما لو كانت للجريمة والاعتقال مواسم كمواسم زراعة ونمو وحصاد المحاصيل، إلا أن التغيرات السياسية، وأهواء الإدارة القائمة عليها، وما يلحقها أو يسبقها من قرارات اقتصادية غير مرغوبة من قِبَلِ الطبقة المحكومة، لما تسببه من تدني الحالة المعيشية للغالبية العظمىٰ للسكان، من أهم العوامل التي تتحكم في بداية ونهاية موسم الجريمة والاعتقال، بداية بجرائم السرقة والاختلاسات والحرائق والتي عادت ما تسبق مواسم الجرد السنوي للمخازن والشؤون. إضافةً إلى جرائم الرشاوي، ما كبر منها وما صغر، كلما كانت هناك مصلحة يرغب صاحبها تحقيقها. ومرورًا بما يتم بين الحين والآخر من القبض على أعداد ضخمة من تجار العملة والمخدرات، كما لو كان هناك مبرر لتركهم كل هذا الوقت بدون حساب ولا عقاب، وانتفى هذا المبرر في حينه. أمّا عن طوفان جرائم الغش الذي لم يعلن عنه إلا الآن، رغم تكراره مع بدء موسم الامتحانات، واعتراف بعض المراقبين بما تعرضوا له من تهديدات من قِبَلِ أولياء الأمور في الماضي، يجعلك تؤكد لنفسك موسمية الجريمة. منذ أكثر من عام مضى أعلن عن ارتكاب جريمة اغتصاب بشعة، وما أعلن عنها، حتى توالت الصحف في العام نفسه بالإعلان عن جرائم اغتصاب أخرى تكاد تكون تمت بالطريقة والكيفية نفسها كما لو كان هناك شبه اتفاق بين المغتصبين أن يقوموا بجرائمهم هذه في عدة محافظات مختلفة في آن واحد، وهذا لا يمكن تصوره عقليًا، هذا بخلاف جرائم الدعارة والآداب التي تكون العوامل سالفة الذكر أداةً محركةً لها باستثناء بعض ما يتركب منها، وليس له أي ضابط مادي ملموس ترجع إليه كارتفاع معدل الاغتصاب والشذوذ الجنسي.

     سادسًا: من العجيب أن أي نوع من المخلوقات في هذا الكون، لا يعامل أفراده بني جنسهم، كما يعامل الإنسان بني نوعه، فلا ترى حيواناً يتلذذ بتعذيب آخر أو من أجل أن يكون سيّدًا عليه، على الرغم من أن الطبيعة قد جعلت من بعض الحيوانات يتعرض للبعض الآخر، إلا أن هذه العلاقة الهجومية تنتهي بمجرد إشباع غريزة الجوع، وبعدها لا تجد حيوانًا يهاجم آخر، فلم نر السباع تجهز جيوشًا حربيةً جرارةً لمهاجمة بني جنسها، ولم نسمع عن كلب استعبد غيره من الكلاب، ولم تقم ضفدعة بإغلاق أفواه غيرها من الضفادع ومنعها من النقيق، فداخل فصائل سائر المخلوقات نادرًا ما يحدث صراعات. ومن المؤسف أنه منذ وجدت الحياة على سطح الأرض، لم يزهق أبناء أي جنس أرواح أبناء جنسهم، ولم يزهق أبناء جنس أرواح بني جنس آخر، بقدر ما زهق الإنسان من أرواح بني جنسه، في أي من الحروب التي خاضتها البشرية. وكذلك فإن سائر المخلوقات الأخرى جميعها لو اجتمعت فإنها على مدار تاريخها لم تزهق أرواح آدميين بقدر ما أزهق الإنسان من أرواح بني نوعه.



 

(*)    6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

      Email: ashmon59@yahoo.com

 

 

ذو القعدة 1430 هـ = نوفمبر 2009 م ، العدد : 11 ، السنة : 33