العالم الإسلامي

تذكر ... إن

 

بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)

 

أوّلاً: إنّ قائمةَ الاعتداءات الإسرائيلية امتدت وطالت لتشمل عدَّةَ دول عربية، منها تونس والعراق وأخيرًا السودان، فضلاً عن دول الجوار مصر والأردن وسوريا ولبنان، ومن قبل كل هذه، ما تبقى من دولة فلسطين الواقعة تحت براثن الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من نصف قرن. وأقصى ما نفعله نحن العرب، كردّ فعل منا، على هذه الاعتداءات الإسرائيلية الهمجية والإجرامية والبربرية – وهذا هو أقل ما يمكن أن توصف به – يتمثل في ثلاث اتجاهات: أولها هو الشجب والإدانة من جانب القادة العرب؛ ولكن لماذا يتوقّف هؤلاء القادة عند حدّ الشجب والإدانة، ويصير أقصى أمانيهم هو صدور قرار من هيئة الأمم المتحدة يشجب ويدين هو الآخر، التاريخ وحده، هو الذي سوف يجيب عن هذا السؤال، وللأسف كل ما يصدر عن هيئة الأمم المتحدة من قرارات، تخصنا في هذا الشأن، مخيبةً لظنونهم وظنوننا. ثاني هذه الاتجاهات، هو ثورة بركانية، في كافة أجهزة إعلام العالم العربي، من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون وقنوات فضائية، قوميّة كانت أو حزبيّة أو حتى مستقلّة، الكلُّ ثائر، الكلُّ يملؤه الغضب، الكلُّ يكتب أو يتحدّث مُطَالِبًا بالثأر والانتقام؛ ولكن سرعان ما تهدأ هذه الثورة وتخمد، وتتبدل الأحوال، وكأن شيئًا لم يحدث، وتبدو وكأنها قد نسيت هذا الاعتداء؛ كما نسيت ما سبقه من اعتداءات. ثالث هذه الاتجاهات، هو ظهور بضع بُؤَر، لقلة من المتظاهرين، في الشارع العربي؛ ولكنّها للأسف الشديد ليست على مستوى الحدث إطلاقًا، على الرغم من أنها هي المُعَوَّل الأساسي في كل ما يحدث من أحداث؛ فتحرك الشارع العربي بقوة، ستُغَيِّر كثيرًا من موقف هؤلاء القادة، وسيكون هو سلاح الردع لكل من لايرتدع. ولكن لماذا مازال البعضُ منّا، أو بمعنى أصحّ، الكثيرُ ممن لا يشاركوننا الأحداثَ الجاريةَ يظلّ صامتًا تجاه ما تفعله إسرائيل؟. هذا هو السؤال الأهم، والذي يجب أن نبحث له عن إجابة فورية، لا ننتظر إجابةً من التاريخ.

       ثانيًا: قد يرى البعضُ في القضاء على البطالة، ورفع مستوى المعيشة، وإنشاء نوادي وساحات رياضية، والقضاء على الفراغ الفكريّ والثقافيّ لدى الشباب، حلاًّ للقضاء على الاضطرابات والأحداث الدموية التي يعيشها مجتمعُنا؛ ولكنّهم يغضّون أبصارَهم، بقصد أو بغيره، عن الحلّ النافع والأسلوب الأمثل والمنهج المفيد والدواء الشافي من كل أزمة، والمانع من تدهورها، لتصل بنا إلى ما وصلت إليه، ألا وهو الأَسْلَمَةُ، أَسْلَمَهُ القوانين والحكم، أَسْلَمَهُ السياسة والاقتصاد، أَسْلَمَةُ التعليم والإعلام، أَسْلَمهُ شؤوننا الخارجيّة والداخليّة، وبمعنى أوسع وأدقّ، أَسْلَمةُ شؤون حياتنا ومجتمعنا كافَّةً، وهذا هو هدف ومطلبُ كلّ مسلم، وكلّ الفرق والجماعات الإسلاميّة، مهما اختلفت مُسَمَّيَاتُها، منذ بدء الدعوة الإسلاميّة، وإلى يومنا هذا، وحتى قيام الساعة، ففي عصرنا الحالي عندما أُسِّسَت جماعةُ الأخوان المسلمين لم يخرج هدفُها عن ذلك، وقد جابهت هذه الجماعةُ كلَّ المحن بثبات على المبدأ، فقد وُجِّهَ لها من الضربات واللطمات، ما لم يتحمله أحد، فقد زُجَّ بعدة ألوف من أبنائها في غياهب المُعْتَقَلاَت والسجون، وذاقوا أشدَّ أنواع العذاب، وقُدِّموا لمحاكم عسكريّة أَصْدَرَتْ أحكامَها بإعدام خيرة شباب وأبناء هذه الجماعة، ولم تَمَّحِ آثارُ هذا العار من على جبين تاريخ هذه البلد، وتغير النظامُ مرةً ثانيةً وثالثةً وظلّت أهدافُها قائمةً. وفي فترة السبعينات عندما تعددت الفرقُ والجماعات الإسلاميّة، واختلفت في بعض أهدافها وأساليبها، اشتركت جميعًا في هدف أَسْلَمَه المجتمع. وبعيدًا عن هذا وذاك ففي استطلاع الرأي أجرته جريدةُ الأهرام، ونُشِرَ على صفحاتها يوم 23/5/1991م طالب 2ر53 في المائة من أفراد العينة بالتطبيق الفوريّ للشريعة الإسلاميّة، وطالب 6ر26 في المائة بتطبيقها بالتدريج، وهذا يعني أن حوالي 80 في المائة من أفراد الاستطلاع طالبوا بتطبيق الشريعة الإسلاميّة. كما ينصّ الدستورُ على أن الشريعة الإسلامية، هي مصدر التشريع، إذن فهذا مطلب عامّ، وفريضة دينية، يسعى لتحقيقها كلُّ مسلم؛ ولكن ماذا يفعل هؤلاء الشباب، وقد وُصِدَت أمامهم كلُّ الطرق، ووُضِعَت أمامهم العراقيلُ، لتعيقهم دون تحقيق هذا الهدف؟. فلا حزب إسلاميّ ينضمّون تحت لوائه، ولا جريدة إسلامية ناطقة بلسانهم، تدعو لأفكارهم على الملأ، ولا انتخابات نزيهة تضمن لهم تداولَ السلطة، خاصّةً بعد أن فاقت شعبيَّتُهم كلَّ حدّ في أعقاب الصحوة الإسلاميّة، وأصبحوا يخيفون أعداءَهم في الداخل والخارج، على الرغم من محاولات الإساءة إليهم والتشويه على أعمالهم الجليلة التي يقدمونها لوجه الله، ويبخل المسؤولون عن القيام بها. الأدهى والأمرُّ من ذلك، أن كلَّ أمر أمامهم ومن حولهم، يسير عكس الأَسْلَمَة ومضادّ لها، فماذا هم فاعلون؟. أَفْتُونا أفادكم الله؟!.

 

*  *  *

*  *



(*)    6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل، وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.

      الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451

      الجوّال : 0101284614

      Email: ashmon59@yahoo.com

 

ذو الحجة 1430 هـ = ديسمبر 2009 م ، العدد :12 ، السنة : 33