دراسات إسلامية

متى دخل الإسلام اليابان

 

بقلم: الكاتب الإسلامي فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن سعد الشويعر

الرياض ، المملكة العربية السعودية

 

     تاريخ الإسلام، ودخوله اليابان جديد في تاريخه، فهو لم يبلغ قرنًا من الزمان، وفق ما وصل إلينا علمه، وتعد الحرب الروسية اليابانية، في مطلع القرن الميلادي الحالي هي المفتاح، الذي أنار الطريق أمام اليابانيين، للبحث عن دين يعتقدونه وينتحلونه، يقول أحد المشاركين في أول مؤتمر عقد في اليابان للبحث عن الدين المناسب، بين الأديان الموجودة على ظهر الأرض: كأن الحرب الروسية كانت بمنزلة المرآة لدى اليابانيين، نظروا إلى هيئاتهم الاجتماعية، فرأوا فيها المجد والفخار، وسائر الصفات التي تسمو بالرجل إلى أعلى مراتب العزة والمنعة؛ ولكنهم رأوا فيها شيئًا لم يرضوه لأنفسهم، ألا وهو الدين، رأوا مُعْتَقَدَاتِهم الأصلية، التي اتبعوا فيها آباءهم وأجدادهم، ليست منطبقة على العقل، فأنفوا أن يكونوا مع هذا الفخر الباهر، غير متدينين بدين يوافق رقيّهم المادي والعقلي والأدبي.

     وإن كان بعض الباحثين ينسبون بدء الإسلام في اليابان، إلى الجنود الروس المسلمين الذين غرقت سفينتهم، فأنقذ بعضهم أحياء وأدخلهم اليابانيون السجن، فرأوا من حُسن استقامتهم وصلاتهم ما جعل المسؤولين عنهم في السجن يرتاحون لهم، ويأذنون لهم بالخروج من السجن للأسواق، ثم يعودون في الوقت المحدد، دون أن يحدث منهم كذب أو مخالفة، ومع أنهم لايعرفون لغة بعض، إلا أن محبة هذا الدين، الذي يعتنقه بعض الجنود الروس، وهو دين الإسلام، جعل اليابانيين المشرفين عليهم، يسهلون مهماتهم ويساعدونهم، في تخصيص مكان للصلاة والطهارة والوضوء في السجن.

     حتى شفعت الدولة العثمانية بإعادتهم إلى بلادهم، عن طريق تركيا؛ لأن لها علاقة مع اليابان ذلك الوقت؛ لكن تلك الحرب جعلت جذورًا لدى اليابانيين، ولذلك اجتمع الكبراء والوزراء في عام 1906م الموافق 1324هـ مع العلماء منهم، وتباحثوا في شأن اتخاذ دين من الأديان، يقبله العقل ويكون دينهم الرسمي، فكان ممن حضر هذا الاجتماع البارون، سوتانفو وزير الداخلية سابقًا، فوافق على هذا الاقتراح، وقال: إن امة متمدنة مثلنا، يجب أن تتخذ لها دينًا مبنيًا على قواعد صحيحة، وأصول لا تدع في النفوس ريبًا؛ ولكن أدع لغيري اختيار الطريقة، التي بها نصل إلى المرغوب، فقال الكونت (كاتسورة) رئيس الوزراء سابقًا: إن الرأي عندي، هو أننا نرسل إلى الدول المتمدنة خطابات رسمية؛ ليرسلوا إلينا العلماء والفلاسفة من المتشرعين في دياناتهم، ومتى وصلوا إلينا، عقدنا مؤتمرًا دينيًا تدور فيه المناقشة والمباحثة، في فلسفة الأديان ويشرح كل أهل دين قواعدَه، ومتى اهتدينا إلى الدين الصحيح اعتنقناه، وجعلناه ديننا الرسمي، فصادق على هذا الرأي الكونت (جرافوش) وصرح بأنه هو الرأي الذي كان يدور بخلده، من قبل أن يفتح باب الكلام في هذا الموضوع، وكبداية للترغيب في الإسلام كان مما قاله الكونت (جرافوش): أن رجلاً من أهل الصين المسلمين، يدعى (حسان تيوس) حضر إلى اليابان في شهر أغسطس سنة 1905م، ومعه كتاب في الديانة الإسلامية ألّفه، وفيه بيانات كافية وأدلة منصفة، حتى أني استحسنت هذه الديانة؛ ولكن ظروف الأحوال ويعني بذلك حربهم مع الروس حالت دون أن يسمح لهذا الرجل بنشر كتابه؛ إذ الأمة اليابانية لم تكن في هذا الوقت بحثت عن دين تعتنقه .

     أما الآن وقد عزمتم على عقد مؤتمر ديني، يكون جامعًا لعلماء وفلاسفة كل دين، فإني أوافق على هذا كل الموافقة، كما أني أرى أن الأمة متى رأتكم شرعتم في أمر كهذا، فهي تابعة لرأيكم، قال هذا الكلام؛ لأن حرية الأديان عندهم مطلقة، وكلّ إنسان يعتنق الدين الذي يرغبه، لذا فقد استحسن الجميع كلامه واقتنعوا باقتراحه، فرفع الأمر إلى (الميكادو) وهو السلطان واسمه ذلك الوقت (متسوهيتو) وهو الرابع والعشرون من ملوك العائلة الحاكمة، وقد كانت ولادته عام 1852م.

     وقد أصدر أمرَه الرسميَّ بإرسال الخطابات إلى الدول العظمى، وكان في مقدمتها الدولة العثمانية، وفرنسا وانجلترا وايطاليا، والولايات المتحدة وألمانيا، فأرسلت هذه الدول الوفود من رؤساء كل مذهب ودين، ولما كانت الدول الغربية كلّها تعتنق الدين النصراني إلا إن منهم كاثوليك وأرثوذكس وبروتوستنت، وقد عقد المؤتمر في أول شهر مارس عام 1906م الموافق 1324هـ.

     كان في الوفد الإسلامي أناس ذهبوا على حسابهم، ولم تخترهم الدولة العثمانية، وقصدهم الحماسة في الدعوة إلى دين الإسلام: واحد مصري وآخر تونسي، والتقوا في (هنج كونج) بمسلم صيني اسمه سليمان الصيني، وقد كان الاجتماع في طوكيو وفي ذلك الوقت كانت حديثة العهد بجعلها عاصمة للمملكة اليابانية، كما تعد ذلك الوقت العاصمة مدينة كيوتو التي هي مقر للملك، أما طوكيو فهي عاصمة لعائلة الشجن، الذين كانوا ينازعون الإمبراطور في الملك، وهذه العائلة كانت تحكم باسم الميكادو، وبذلك كان لليابان عاصمتان: أحداهما شرقية وهي كيوتو عاصمة الميكادو، والثانية غربية وهي طوكيو عاصمة الشجن.

     أما اسم «طوكيو» فيقال: إنه حديث، فقد كانت تسمى (بيدو) فلما صارت عاصمة للمملكة بأجمعها سميت طوكيو، ومعنى هذا في اللغة اليابانية عاصمة الشمس، وكانت مشهورة بكثرة الزلازل والحرائق، وفي وسط المدينة قنطرة عملت من أخشاب الأبنوس، وتسمى بالشمس المشرقة، وفي يوكوهاما انضم للوفد المتطوع، حاج روسي اسمه: الحاج مخلص محمود الروسي، حيث التقى بالثلاثة الآنف ذكرهم في يوكوهاما، وكان قد أرسله أحد الأثرياء، على نفقته للدعوة الإسلامية في اليابان، بعدما عرفوا رغبة اليابانيين لاعتناق دين جديد.

     أما وفد الدولة العثمانية فهو وفد رسمي، وهؤلاء الأربعة: مصري وتونسي وصيني وروسي، جمع بينهم في الهدف حبّ الخير والرغبة في التعريف بالإسلام والدعوة إليه، وعدُّوا أنفسهم مبشرين مسلمين، والرابطة بينهم دينية لا إقليمية؛ لأن الإسلام دين يوحد بين أبناء الأمم، لا فرق فيه بين عربي وعجمي إلا بالتقوى.

     وفي «طوكيو» وجدوا خامسًا قد سبقهم من علماء وفضلاء الهند المسلمين، يدعى: السيد حسين عبد المنعم، فجاء إليهم وأظهر لهم البشر الزائد، والارتياح بحضورهم إلى اليابان، وأخبرهم أنه قدم إلى هذه البلاد، على نفقة بعض أفاضل مسلمي الهند للتبشير بالإسلام، وأن له نحو خمسة الشهور، وهو متشوق إلى من يعضده ويساعده من المسلمين، في نشر لواء الإسلام، ولم يجد أحدًا ولذا كان يقاسي متاعب شتى، شأن المنفرد في عمل كبير، فإنه لابد أن يحتاج إلى معين.

     ثم اتفق هؤلاء الخمسة المتطوعون على أن يكونوا في دعوتهم وعملهم الإسلامي يدًا واحدة، وان أحسن شيء يقومون به هو إنشاء جمعية مؤلفة منهم فاستحسنوا هذا الرأي، ثم قرّروا استئجار محل للسكنى أولاً، ومقر للجمعية ثانيًا، فأخذوا في البحث عن المكان المناسب، وقد حصل تعارف بين زميلهم الهندي: حسين عبد المنعم صدفة، ورجل ياباني من مشاهير التجار، يدعى المسيو جازنيف وصفوه بالفطنة والذكاء وكرم الأخلاق، وقد سأله حسين عما إذا كان يستطيع أعانهم في البحث عن منزل للجمعية والسكنى، فطلب من حسين الالتقاء بزملائه، وعندما تم شرحوا له قواعد الإسلام، وما مهمة جمعيتهم، فلما وقف على حقيقة دين الإسلام، وذاق حلاوته في قلبه، بعد إن شرح الله صدره للإسلام قال: عدّوني من الآن في عداد المسلمين، واستبشروا به ولقّنوه الشهادتين وهنأوه على خروجه من الظلمات إلى النور، فكان سادسهم في إنشاء هذه الجمعية.

     وقد تبرع بمنزل له مؤثث وكامل التجهيز؛ ليكون مقرًا للجمعية وسكنًا لهم ثم أحضر لهم خادمًا من النزلاء الأميركان، ولما شكروه قال: كل هذا تبرعت به، وبما تطلبون مني أيضا إكرامًا لهذا الدين، الذي باعتناقي إياه أصبحت أسعد السعداء.

     وقد قرر هؤلاء النّفر أن تكون دعوتهم في هذا المبنى، على هيئة محاضرات توضّح الإسلام وتعاليمه، وألا يذهب أحد منهم للتنقل في البلاد، كما يذهب غيرهم من المبشرين، وأن يكون الدخول لمقر الجمعية مجانًا، وانعقاد الجمعية ليلاً حين يفرغ الناس من أعمالهم، وفي أول يوم لانعقاد الجمعية أقبل الناس عليهم زمرًا، حتى غصّ بهم المكان وما كانوا يتوقعون هذا الحضور، ومن ترتيبهم أن أُعِدّت خطبة باللغة العربية، ويترجمها للانجليزية حسين عبد المنعم الهندي، ويترجمها لليابانية المسيو جازنيف الياباني، فألقاها أمام الحاضرين فوجدوا إقبالاً من الحاضرين على معرفة هذا الدين، وأجابوا عن أسئلتهم.

     وهكذا في الجلسة الثانية زاد عدد الحضور، وقد كان هذا الوفد التبشيري بالإسلام، يحرصون على تفهيم الناس والإجابة عن أسئلتهم المكتوبة والشفوية، ويعترفون بأن الفضل ليس لهم في اختيار الطريقة السهلة، التي استعملوها في تقرير قواعد الإسلام؛ بل الفضل لله ثم للسلف الصالح، من المسلمين جزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء، وأنّ الذي سهل أيضا هداية القوم إلى دين الإسلام، القويم أن حالة اليابانيين الطبيعية ساعدت كثيرًا على اعتناق الإسلام؛ لأنهم قوم عندهم استعداد طبيعي لقبول كل ما يوافق العقل، ونفي كلّ ما يخالفه مهما أثبتوه، بجميع أنواع السفسطة والمواربة؛ إذ كلما زدناهم معرفة بدين الإسلام، زاد عدد الذين يعتنقونه منهم حيث انتشر صيت هذه الجمعية في طوكيو انتشارًا واسعًا.

     وفي مدة وجيزة اعتنق الإسلام على أيدي هؤلاء الخمسة، وزميلهم الياباني في الجمعية نحو اثني عشر ألف رجل، منهم كثير من الحكام والتّجار المعتبرين، وذوي الحيثيات، وقد عقدت هذه الجمعية نحو ثماني عشرة مرة، وفي كل مرة كان يعتنق الإسلام خلق كثير، ولما حان سفر المصري والتونسي والهندي رغب الروسي والصيني البقاء ستة شهور، حتى يبذلا جهدًا في التبشير بالدين الإسلامي، ولم يفارق الجميع إلا بعد أن وضعوا معلومات مكتوبة، ومترجمة بدين الإسلام وتعاليمه وتفاءلوا خيرًا بحسن قبول اليابانيين للإسلام.

     وفي معلومات جديدة، عن محبة اليابانيين للإسلام، ما يشير إلى تزايد أعداد المسلمين، وأن للإسلام رغبة أكيدة، في نفوس وقلوب اليابانيين، وكلما جاءت الدعاية ضده، والشبهات حوله، ازداد عدد المقبلين على الإسلام؛ لأنه دين يخاطب العقول، وترتاح له النفوس، في الوقت الذي بدأ الناس ينفرون من الديانات الأخرى، وقد جاء في نشرات عالمية أن المستقبل للإسلام، لكثرة من يدخل فيه، مع الأحداث العالمية، وأنه هو دين المستقبل.

 

ضربنا بسيفه :

     جاء في كتاب (مروج الذهب) للمسعودي أنّ الشعبي قال: لما انهزم بن الأشعث، ضاقت بي الأرض، وكرهت ترك عيالي وولدي، فلقيت يزيد بن أبي مسلم، وكان لي صديقًا وكانت الصداقة تنفع عنده فقلت له: قد عرفت الحال بيني وبينك، وقد صرنا إلى ما ترى، قال: يا أبا عمرو إن الحجاج لا يُكْذب ولا يُعوى ولا يُنبح، ولكن قم بين يديه، وأقر بذنبك واستشهد بي ماشئت.

     فوالله ما شعر الحجاج إلا وأنا ماثل بين يديه فقال: أعامر؟ قلت: نعم أصلح الله الأمير، قال: ألم أقدم العراق، فأحسنت إليك وأدنيتك وأوفدتك على أمير المؤمنين واستشرتك، قلت: بلى أيها الأمير، قال: فأين كنت من هذه الفتنة؟ قلت: استشعرنا الخوف واكتحلنا السهر، وأحزن بنا المنزل، وأوحش بنا الجناب وفقدنا صالح الإخوان، وشملتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، وهذا يزيد بن أبي مسلم قد كان يعرف عذري وكنت اكتب إليه.

     فقال: صدق أصلح الله الأمير، قد كان يكتب إليّ بعذره ويخبرني بحاله، فقال الحجاج: فهذا الأحمق ضربنا بسيفه، ثم جاءنا بالأكاذيب كان وكان، انصرف إلى اهلك راشدًا [2/573].

     وجاء في (زهر الآداب) للحصري القيرواني أن أيوب ابن القرية، دخل على الحجاج وكان فيمن أُسِرَ من أصحاب عبد الرحمن بن الأشعث، فقال له: ما أعددت لهذا الموقف قال: ثلاثة صفوف كأنها ركب وقوف، دنيا وآخرة ومعروف، فقال له الحجاج: بئسما منيت بــه نفسك يا بن القـرة، أتراني ممن تخدعه بكلامك وخطبك، والله لأنت اقرب إلى الآخرة من موضع نعلي هذه، قال: اقلني عثرتي، واسفني ربقي فإنه لابد للجواد من كبوة، وللسيف من نبوة، وللحليم من صبوة.

     فقال: أنت إلى القبر اقرب منك إلى العفو، ألست القائل وأنت تحرّص حزب الشيطان، وعدو الرحمن تعدّوا بالحجاج قبل أن يتعشى بكم ثم قدم فضرب عنقه(4:49).

 

 

ذوالحجة 1431 هـ = نوفمبر- ديسمبر 2010م ، العدد :12 ، السنة : 34