المحاصرةُ الصهيونيةُ لغزة وما ينبغي أن يصنعه المسلمون تجاهَها

 

 

  

 

 

ظَلَّتِ الدولةُ الصهيونيّة تُعَذِّب سكانَ غزّة البالغ عددُهم نحوَ مليون ونصف مليون منذ عام 2000م؛ وتصبُّ عليهم صنوفَ الويلاتِ؛ ولكن ممارستَها للجرائم النكراء ضدَّهم تصاعدت بنحوٍ خطير منذ شهر يونيو 2007م عندما سيطرتْ حماس عليها بعد صِرَاع دامَ شهورًا بينها وبين "فتح" التي حاولتْ بإيعاز من الكيان الصهيوني وأمريكا ابتلاعَها – حماس – و وأدَها للأبد.

 

ولحدِّ نهاية الأسبوع الثاني من يناير 2008م = مُسْتَهَلّ محرم 1429هـ شَدَّدتِ الدولةُ الصهيونيةُ الحصارَ الشاملَ على غزّة لتضييق الخناق على أهلها وإماتتهم جوعًا ومرضًا وحرمانًا الوسائلَ الحياتيّةَ كلَّها ؛ حتّى كَثَّفَتِ الحصارَ عليها بشكل جعلَ الموادَّ الغذائية والوسئال البشريّة لاتصل إليها – غزة – إلاّ بنسبة 10٪ على الأكثر؛ ولكنّها فرضتْ عليها الحصارَ الكاملَ يومَ الجمعة: 18/يناير 2008م = 8/محرم 1429هـ ، حتى توقّفتْ محطّةُ توليد الكهرباء المركزية عن توليد الكهرباء كليًّا يوم الأحد 20/يناير 2008م = 10/محرم 1429هـ ، وغرقت غزّة كلُّها في محيط من الظلمة، وصَعُبَتِ الحياةُ على سكّانها ، حتى هبّتْ دولُ العالم كلّها تُنَدِّد بهذه العمليّة الصهيونيّة الرامية إلى قتل هذا العدد الكبير من المسلمين الفلسطينيين جوعًا وعطشًا ومرضًا بما فيها الاتّحاد الأوربيّ والأمم المتحدة التي قال مُمَثِّلُها المقيم بفلسطين المحتلة في تقرير له إلى مكتبها المركزيّ – المقرّ–: إنّ ما تصنعه إسرائيل تجاهَ أهالي غزّة هو جريمة حربيّة شنيعة "Serious war crime" .

 

وكانت الدولةُ الصهيونيةُ تهدف من وراء جريمتها الشنيعة هذه إماتة السكّان في جانب، وحملهم على الثورة ضدَّ حماس وعلى الصِرَاع الداخليّ والتناحر، حتى تُضْطَرَّ حماس للتخلّي عن السيطرة على غزّة والخضوع للمُخطَّطَات الصهيونيّة الصليبيّة؛ ولكنها لم تنجحْ في إرادتها لحدّ كتابة هذه السطور؛ حيث إن حماس هدمت الجدار القائم بنقطة التفتيش في "رفح" بين غزّة ومصر، وعلى إثر هدمه احتشد أكثرُ من نصف مليون من سكّان غزّة ، واندفعوا إلى الجانب المصريّ يبحثون عن حوائجهم من الغذاء والدواء. وذلك يوم الثلاثاء: 22/1/2008م = 12/1/1429هـ. وظلّ هذا الوضعُ قائمًا لعدّة أيّام ، ولم تنجح مصر في إغلاق هذه الفتحة/ الثغرة رغمَ محاولتَها خضوعًا للرأي العامّ العالمي الإسلاميّ العربيّ ؛ ولكنها تمكنّتْ من إغلاقها يومَ الأحد: 3/فبراير 2008م = 24/محرم 1429هـ .

 

وخلالَ ذلك حمل السكَّان من الجانب المصريّ إلى غزة من الموادّ اللازمة ما أمكنهم ؛ ولكنّ ذلك لم يكن ولن يكون حَلاًّ للمشكلة وعلاجًا للأزمة الرهيبة التي يعانيها أهلُ غزّة .

 

وفي هذا الوضع الحِرَج أحسن إمامُ الحرم المكيّ الشريف فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس/ حفظه الله إذ هَزَّ ضميرَ الأمّة الإسلاميّة في مشارق الأرض ومغاربها من خلال خطبته التي ألقاها بالحرم المكيّ يومَ الجمعة: 22/محرم 1429هـ = 1/فبراير 2008م، ودعاها إلى المساهمة الفعّالة في تفريج الكرب عن إخوتهم في الإسلام، عن طريق تقديم كلّ دعم مادّيّ ومعنويّ ، في الوقت الذي لاَزَمَ الرأيُ العامُّ العالميُّ شبهَ الصمت تجاهَ هذه الجريمة النكراء التي يرتكبها العدوُّ ضدَّ أصحاب الدار: الفلسطينيين؛ ليُمِيْتُوهم أحياءَ .

 

ولاشكَّ أنّ دعوةَ الإمامِ المكيّ جاءتْ في أوانها؛ ولكنَّ المشكلةَ أنَّ الدولة الصهيونيّةَ لاتسمح بالمساعدات الإسلاميّة تصل إلى أهالي غزّة , وتحول دون وصولها من أيّ جهة كانت ، حتى يموتوا جوعًا وعطشًا أو يخضعوا لإرادتها .

 

الأزمةُ البشريّةُ التي يعانيها الفلسطينيون اليومَ تدعو المسلمين حكوماتٍ وشعوبًا أن يكونوا على قلب رجلٍ واحدٍ في مُوَاجَهَة العدوّ الصهيونيّ مُتَجَاوِزِين جميعَ خلافاتهم، التي جعلتْهم لايتّحدون حتى في هذه القضيّة الإسلامية ذات الرقم الواحد، التي لن تُحَلَّ على ما يُرْضِيهم إلاّ إذا اتّحدوا على قاسِمِها المشترك ؛ ولم تُحَلَّ لحدّ اليوم لخلافاتهم وحَدها، ولم تفعل الدولةُ الصهيونيّةُ الأفاعيلَ مع الشعب الفلسطيني – ولا تزال – إلاّ لكون المسلمين والعرب مُوَزَّعين بحكم المصالح والأغراض التي آثروها على مرضاة الله ، ومصلحة الإسلام ، وآلام الفلسطينيين . اللهمَّ اهْدِ قومي ؛ فإنّهم لايُدْرِكون فداحةَ الخسارة .         [التحرير]

 

(تحريرًا في : الساعة 12 من صباح يوم السبت غرة صفر 1429هـ = 9/فبراير2008م)

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول 1429هـ مارس 2008م ، العـدد : 3  ، السنـة : 32.