الإسلام .. والنظام العالمي

(2/3) 

بقلم : الدكتور أحمد الرفاعي

 

الإسلام يدعو إلى الأحسن :

 

وبين يدي الإجابة على هذه الأسئلة لابدّ من مقدمّة نُحدّد بها أتباع رسول الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.. الإطار المنهجيّ والفكريّ لهذه الإجابة، وفق الثوابت والمنطلَقات التي جاء بها القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، حرصًا منا على التزام المنهج الرباني، ودفعًا لكل لبس أو غموض وهي باختصار بالغ على النحو التالي:

 

1- نحسب أن القرن القادم هو قرن التواصل البشري، وقرن التحاور الثقافي، ويمكن القول هو قرن التدافع الثقافي وهذا توجّه مهمّ ومفيد يلزمنا نحن المسلمين استقباله والتعامل معه بإيجابيّة وارتياح لأن منهجية الحوار بالبيان والحكمة، منطلق أساسي في منهج القرآن الكريم وآدابيّات الدعوة إلى قيم الإسلام، التزامًا بالتوجيه الرباني جلّ شأنه ﴿اُدْعُ إِلَى سَبِيْلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِىْ هِىَ أَحْسَنُ﴾(1).

         

2- نحن المسلمين مطالَبون بالسعي للحوار مع الناس بما يحقّق وضوحَ الرؤية ويجمع الكلمة على المبادئ والقيم الربانية الخالدة. وهذا في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُوْنِ اللَّهِ﴾(2).

         

3- نحن نعتقد بأنّ إيماننالا يكون ولا يتحقّق إلا بالكتب السماوية التي أنْزِلَتْ على الأنبياء والرسل جميعًا، وأن المسيح بن مريم عليه الصلاة والسلام نبي الله ورسوله، وروح منه وكلمته التي ألقاها إلى مريم البتول عليها السلام، وأن نبينا ورسولنا محمد بن عبد المطلب عليه الصلاة والسلام هو دعوة أبوالأنبياء إبراهيم عليه السلام ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(3) وبشارة سيدنا المسيح عليه السلام: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَّأتِىْ مِن بَعْدِى اسْمُه أحْمَدُ﴾(4) فجاء عليه الصلاة والسلام مصدقًا لما بين يديه من الكتـــاب حيث يقـول الله تعالى: ﴿الـýـمَّû * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾(5)

         

4- إن الإسلام الذي نعتقده ونفهمه وفق النصوص الثابتة القاطعة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، هو دين الله تعالى الذي أرسل به الرسل جميعًا، منذ أبينا آدم عليه السلام وحتى سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وفق مسمّيات ومعاني تناسب الزمان والمكان لكل قوم مقتضى حالهم وحياتهم التي كانوا يعيشون، وأن سيدنا محمدًا عليه الصلاة والسلام بُعِثَ لتختتم به دعوة الله تعالى ورسالاته، ولتكتمل بما جاء به دعوة الأنبياء والرسل من قبله، في ظروف من الزمان والمكان تحقق للناس بها من أسباب التعارف والتعايش، ما يصلح معها مخاطبتهم جميعًا بتمام ما أراد لهم ربّهم وخالقهم من مبادئ وقيم ومنطلقات، تستقيم معها حياتهم ويتحقق لهم بها الخير كل الخير، وهذا واضح في قوله تعالى:﴿قُولُوْا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾(6).

         

5- نحن أمة تحكم علاقاتنا وتحاوراتنا مع الآخرين قاعدة أساس تقوم بها وعلى أساسها صحة كل علاقة وسلامة كل حوار، وهي التزام مبادئ وقيم وتعاليم دين الله وهذا بيّن في قول الله تعالى: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أن يَّفْتِنُوْكَ عَنْ بَّعْضِ مَا أنْزَلَ اللهُ إلَيْكَ﴾(7).

         

6- إن منهجنا ونحن نَعرض مبادئ وتعاليم الإسلام على الناس، تحكمه قيم وآداب لاينبغي لنا تجاوزها ومخالفتها ولا يصح معها تجريح وسباب معتقدات الآخرين، وهذا في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾(8).

         

7- نحن مطالَبون وفق تعاليم إسلامنا وقيمه، بالتزام العدل وإنصاف الناس مع وجود الاختلاف في العقيدة وقيام الخصومة والشحناء معهم، حيث يأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَلاَيَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلىٰ ألاَّ تَعْدِلُوْا اِعْدِلُوْا هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقْوٰى﴾(9).

         

8- إن منهج القرآن يُعلّمنا ويؤكّد علينا، أن البشرية مدعوّة بأمر ربها جلّ شأنه، للتعارف والتعايش وفق القيم والمعايير الربانية، على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وأديانهم وألوانهم، وأن إتيان الحق ومجانبة الباطل هو أساس التنافس بينهم، وهو أساس معيار القرب والبعد من تقوى الله ومرضاته، وهذا في قوله تعالى: ﴿يَآ أيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَّأُنْثىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْبًا وَّقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ﴾(10).

         

9- نحن أمة الإسلام يحدونا ونحن نتعامل مع غيرنا من الناس، تعاليم ربنا جلّ ثناؤه وتوجيهات رسولنا عليه الصلاة والسلام، التي تطالبنا وتؤكّد علينا السعي في تحقيق مصالح العباد، وجلب النفع العام لهم، وأن ذلك السعي الصادق هو السبيل لنيل محبة الله تعالى والفوز بمرضاته حيث جاء في الأثر: "الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله".

         

10- إن الإسلام يؤكّد أن أساس دين الله تعالى، يقوم على إقامة العدل بين الناس، وشيوع قيم الإحسان بينهم، والعمل على مكافحة الفحشاء والمنكر ومحاربة البغي في حياتهم، وقد عظّم فقهاء الإسلام قيم العدل، حتى جعلوه معيارًا لنصرة الله وتأييده لأيّ ملة تقيمه وتلتزمه حتى ولو كانت كافرة حيث يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن الله لينصر الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة" وهذا كله في ضوء فهمهم لقول الله تعالى: ﴿إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِحْسَانِ وَإيْتَاءِ ذِى الْقُرْبـٰـى وَيَنْهـٰـى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ﴾(11).

         

11- نحن المسلمين نعتقد بمشروعية التدافع الإنساني، ونؤمن بأن منهجيّة التدافع بين الناس القائمة على أساس التنافس، في جلب المصالح ودرء المفاسد، كفيلة بتحقيق الحياة الأفضل لهم جميعًا، وتوفير الأمن والاستقرار، وصرف الفساد عن الأرض، وهذا مؤكّد في قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلـٰـكِنَّ اللهَ ذُوْفَضْلٍ عَلىٰ الْعَالَمِيْنَ﴾(12).. ومن جهة أخرى فإن التدافع بين الناس لجدير بحماية حرية الناس في معتقداتهم وأنماط حياتهم، وصيانة معابدهم على اختلاف مللهم، وهذا في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَّصَلَوَاتٌ وَّمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيْهَا اسْمُ اللهِ كَثِيْرًا﴾(13). ومن مفاخر الفقه السياسي في الإسلام، أن الشرائع جاءت لتحقيق مصالح العباد حيث أن مبناها يقوم على تحقيق أكمل المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين.

         

12- نحن أمة ألزمنا ربنا جلّ شأنه بمنهج الوسطية وحمّلنا أمانة الشهود الحضاري على الناس ومسؤولية تبليغ الهدي الرباني للناس كافة، حيث يقول الله تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَّسَطاً لِتَكُوْنُوْا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُوْنَ الرَّسُوْلُ عَلَيْكُمْ شَهِيْدًا﴾(14).

         

13- نحن المسلمين نعتقد ونؤمن بأننا شركاء مع غيرنا في منهج الاستخلاف لعمارة الأرض ولسنا محتكرين لهذا المنهج، وأن غياب المسلمين أو تغييبهم عن المشاركة في منهج الاستخلاف أو تجريد هذا المنهج من القيم الربانية، سيؤدّي لامحالة إلى فساد الأرض ودمار حياة الناس عليها، وهذا مؤكّد في قول الله تعالى: ﴿ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوْا مَا أنْزَلَ اللهُ فَاحْبَطَ أعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيْرُوْا فِى الاَرْضِ فَيَنْظُرُوْا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِيْنَ أَمْثَالُهَا﴾(15).. أوليس اندحار الشيوعيّة ومعسكرها الإلحادي الكبير دليلاً قطعيًا على هذا الذي يؤكّده القرآن .

         

14- نحن المسلمين يقوم فهمنا لمنهج الاستخلاف في عمارة الأرض، على خاصية التكامل الثقافي بين قيم الإسلام وأصوله ومقاصده الكلّيّة في تحقيق مصالح العباد.. وهذا التكامل اعتقادًا وفهمًا والتزامًا، هوالذي يميّزنا عن غيرنا في فهمنا لمنهج الاستخلاف في عمارة الأرض، وهذه الخاصية هي التي تبوِّىء منهج المسلمين موقع الوسطية بين مناهج الأمم، وهي التي تؤهلهم لمهمّة الشهود الحضاري على الناس في مسيرة الاستخلاف.. وبشكل أدقّ فإن فهمنا لمنهج الاستخلاف يقوم على التكامل بين مرتكزين اثنين أوّلهما في قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أنَّه لآإلـٰـهَ إلاَّ اللهُ﴾(16). وثانيهما في قوله تعالى: ﴿فَامْشُوْا فِىْ مَنَاكِبِهَا وَكُلُوْا مِنْ رِّزْقِهِ وَإلَيْهِ النُّشُوْرُ﴾(17). وأن عمق وشمولية فهمنا، وصدق التزامنا لمرتكز "فاعلم.." وكفاءة إتقاننا وجدية ممارستنا، وارتقاء مهارتنا الإبداعية في إطار مرتكز "فامشوا.." في سياق من التكامل التام، هو الذي يستقيم به منهج الاستخلاف الأمثل لعمارة الأرض، وأي خلل أو تخلف يصيب فهم الناس، والتزامهم وممارستهم في تكامل مقومات هذا المنهج أو تعطيل لأحد مرتكزاته يكون سببًا أساسًا لتخلّفهم، واندحار نتائج أفعالهم ومعطياتهم الحضارية، وتاريخ الأمم في ماضيها وحاضرها، يضرب أمثلة على ذلك يؤيّده، والقرآن الكريم يحدثنا بما يصدق ذلك ويؤكّده حيث يقول الله تعالى: ﴿أوَلَمْ يَسِيْرُوْا فِى الاَرْضِ فَيَنْظُرُوْا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوْا أشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَّأثَارُوْا الاَرْضَ وَعَمَرُوْهَا أكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوْهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلـٰـكِنْ كَانُوْا أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُوْنَ﴾(18).

 

15- إن مبادئ الإسلام وقيمه تعلمنا وتؤكّد علينا، أن لا نبخس الناس أشياءهم، وألا نحتقر كدحهم وجهدهم في كل عمل بناء، يحقّق الأعمار والإبداع الحضاري.. وتلزمنا تعاليم الإسلام احترام وتقدير كلّ عطاء خير في ميادين القيم والسلوكيات وفي ميادين الماديات والوسائل والمهارات، يلتقى مع قيم وتوجيهات منهج الاستخلاف الرباني في عمارة الأرض.. بل إن القرآن الكريم يعتبر احتقار سعي الناس وبخس مشيهم الإيجابي الفعّال المُثمر في الأرض، من العبث والإفساد الذي يمقته الإسلام، وينهى عنه وهذا في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَبْخَسُوْا النَّاسَ أشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِىْ الاَرْضِ مُفْسِدِيْنَ﴾(19).

         

16- إن حرّيّة الأديان والاعتقاد، مكفولة ومصانـة في القوانين الدستورية، والقواعد التنظيمية القائمة على أساس ثوابت ومنطلقات منهج الإسلام في الحكم، وإن الشريعة الإسلامية لاتحتكر القرار السياسي في تحقيق المصالح،ودرء المفاسد لاتباعها دون غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، فالجميع سواء في حقوق المواطنة، في ظلّ أحكام الشريعة الإسلامية على الآخرين بالإكراه والقوة، كما هو مقرّر في قول الله تعالى: ﴿لاَ إكْرَاهَ فِى الدِّيْنِ﴾(20). بل إن الأحكام السلطانية الإسلامية، أعطت في ظل سيادتها من الحقوق والاستقلالية الدينية لغير المسلمين مالم تكفله لهم الأحكام، أو التنظيمات البشرية قطّ لافي ماضيها ولافي حاضرها المعاصر، وإن واقع التاريخ الإسلامي يصدق ذلك ويؤكّده فقد حكم الإسلام الهند لقرون عديدة، ومع ذلك بقي المسلمون هم الأقلية، هذا وإن أداء الحقوق وإقامة العدل بين الناس كل الناس على اختلاف أديانهم، وأجناسهم وقومياتهم وألوانهم وبرهم وفاجرهم، هو أساس مقاصد الشريعة الإسلامية وغاياتها العليا، وهذا بين مؤكد في قوله تعالى: ﴿إنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الاَمَانَاتِ اِلىٰ أهْلِهَا وَإذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أنْ تَحْكُمُوْا بِالْعَدْلِ إنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه إنَّ اللهَ كَانَ سَمِيْعًا بَصِيْرًا﴾(21).

         

17- إن الأمة الإسلامية مثلما أنها تختزن في أرضها كما هائلاً من الطاقة، تشكّل مرتكزًا أساسيًا في توازن المصالح العالمية، وتنوّعًا جغرافيًا واقتصاديًا وكما بشريًا له دوره الفعّال في الموازنات السياسية العالمية، فإنها تمتلك مخزونًا أجلّ وأعظم أهمية، وأكثر نفعًا للمسيرة الإنسانية، مخزونًا فريدًا من القيم والمبادئ، وثروة ضخمة من الفقه التشريعي، يسهل على الإنسانية مهمتها، ويختصر جهدها في تحقيق آملها في انبعاث مشروع حضاري إنساني معاصر؛ لذا فإن أي مشروع جاد لتحقيق نظام عالمي عادل، يبقى عاجزًا عن تحقيق غايته المتزنة المجدية، مع غياب أو تغيّب مشاركة ومساهمة الفعاليات العربية والإسلامية قيميًا وماديًا .

         

18- إن الإسلام مثلما وضع ثوابت ومنطلقات، وقدّم قيم ومبادئ كلية لضبط أدبيات ومقومات التعايش البشري والتعارف الإنساني، فإنه أيضًا وضع ثوابت ومنطلقات، وقدم قواعد وأسس لضبط حركة مصالح الناس، وقدم قيم وأدبيات لإحكام سيولة تبادل المنافع بين المجتمعات، في إطار التعايش والتعارف بينهم، حيث أقام علاقة دقيقة ومتزنة بين حق التملك وحق الانتفاع، على مستوى الأفراد والمجتمعات وهذا ما يتضمنه قول رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: "الناس شركاء في ثلاثة الماء، والكلأ والنار".

         

19- إن القيم والمبادئ الإسلامية السالفة الذكر، ليست أحلامًا وأماني، بل هي قيم موضوعية وواقعية، لم تكن قط مستعصية على ميادين الواقع والحقيقة، ولم تخل الأرض يومًا من واقع يمثّلها ويترجم مقاصدها وغاياتها الحياتية، والتاريخ المنصف، والآثار المادية والثقافية الشاخصة هنا وهناك، تحدثنا عن الروائع الحضارية التي كانت بفضل شريعة الإسلام وقيمها وأدبياتها والواقع المعاصر اليوم ليشهد بأن المملكة العربية السعودية، هي الأنموذج الحي، الذي يجسد المعطيات الميدانية والتطبّقية لمبادئ الإسلام وقيمه، حيث يمثل واقعها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي صرحًا حضاريًا متميزًا بين الأمم.. متميزًا بأمنه واستقراره ومتميزًا في رخائه وارتقائه، ومتميزًا في التوازن الدقيق بين الاصالة والمعاصرة، ومتميزًا في العلاقة المتسقة بين خصوصياته الحضارية والتنوع الحضاري عند الغير، ومتميزًا في وسطيّته الثقافية والسياسية في خضم التناقضات الثقافية والسياسية في الأرض، ومتميزًا بمنهجية الحكمة والاعتدال التي بوّأته موقع القبول والتقدير بين الكيانات السياسية في العالم؛ لذا فإننا عندما نتحدث عن الإسلام وقيمه، لانتحدث من فراغ، ولكنّنا نتحدث من حقائق تاريخية وعن واقع معاصر، يصدق ويؤكّد جدية وفعالية القيم الإسلامية في إقامة نظام عالمي عادل.

*  *  *

الهوامش :

(1)        سورة النحل آية 125.

(2)        سورة آل عمران آية 64.

(3)        البقرة آية 129.

(4)        الصف آية 6.

(5)        آل عمران آية 1-4.

(6)        البقرة آية 136.

(7)        المائدة آية 49.

(8)        الأنعام آية 108.

(9)        المائدة آية 8.

(10)    الحجرات آية 13.

(11)    النحل آية 90.

(12)    البقرة آية 251.

(13)    الحج آية 40.

(14)    البقرة آية 143.

(15)    محمد آية 9-10.

(16)    محمد أية 19.

(17)    الملك آية 15.

(18)    الروم آية 9.

(19)    الأعراف آية 85.

(20)    البقرة آية 256.

(21)    النساء آية 58.

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول 1429هـ مارس 2008م ، العـدد : 3  ، السنـة : 32.