الإبداع في الرؤية الإسلامية

 

   بقلم : الأستاذ علي القاضي 

  

 

  

 

 

الإبداع في اللغة إحداث شيء جديد على غير مثال سابق.

 

وهو تعبير يُقصد به القدرة على عمل شيء جديد ومُبتكِر.

 

ويمثل الإبداع إطلاق طاقات الخلق والابتكار، دون قيد على العقل، في حدود المنهج الإسلامي، إلى الحد الذي ينال فيه المجتهد أجرًا حتى ولو أخطأ، مادام ملتزمًا بالإطار الأخلاقي الإسلامي الذي لا يحكمه الهوى، وإنما يحكمه الضمير الذي يُدرك مسؤوليته عن الإبداع بطريقة تؤكّد توجيه طاقات الإبداع .

 

ترى ، ما الدوافع إلى الاهتمام بالإبداع ؟.

       إن الدوافع تتلخّص في الآتي:

       * مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية .

       * ومحاولة القضاء على المِلل الناشىء عن الحضارة الحديثة .

       * والحاجة إلى حلول إبداعية للصراعات الدولية. والمبدِع المسلم يلتزم التزامًا داخليًا بالأخلاق الإسلاميـة ، فهو متّصل بالله تعالى، وهو لايبتغي إلاّ إرضاءَ الله تعالى، وهو لذلك يحافظ على أخلاقه وعلى أخلاق الناس في الوقت الذي يكتب فيه أو يرسم أو يفكّر؛ لأنه مُلتزم بالقيم الإسلامية.

 

وحرّية الإبداع في الإسلام لها ضوابط، ويمكن لأيّ مسلم أن يعمل ما يريد وأن يقول ما يريد، ما دام ملتزمًا بالضوابط الشرعية.. ومن هنا فإنّنا نجد أنّ الإسلام ، قد شجّع الناس على التعامل بما خلق الله تعالى في الطبيعة ، من جمال السماء والأرض وقد زَيَّنَ السماء الدنيا بزينة الكواكب، وجمّل الأرض بما خلق فيها من كل زوج بهيج ، من الزهور الجميلة المختلفة والحيوانات والطيور الجميلة المتنوّعة. ثم دعا الإنسانَ إلى أن يكون جميلاً في مظهره وفي مخبره؛ لأن الله جميل ، يحبّ الجمال، فإذا لم يُتْقِنِ المسلم فنّ التجمّل والإبداع ، فكيف يصنع الجميل ويسعد به ؟.

 

ولذلك فإن مجالات الإبداع الإسلامي، هي كل مجالات الوجود، مرسومة من خلال النفس المُفْعَمَةِ بالإيمان ، والتصور الإسلامي، للكون ولحياة الإنسان سِجِلٌّ حافلٌ بالإبداع، عرفته البشرية، يأخذ الوجود كله بمادياته وروحانياته ومعنوياته وكلّ إمكاناته .

 

والإسلام يُوَقِّعُ على الحس البشري توقيعات شتى ، تهزّ الوجدان من أعماقه في توجيه القلب البشري إلى آيات الله تعالى في صفحة الكون. والإسلام وهو يربّي الروح يعمد إليها ، فيثير فيها الحياة ، فيقول الله تعالى:

       فَلْيَنْظُرِ الإنْسـٰـنُ إِلَى طَعَامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً* فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا* وَّعِنَبًا وَّقَضْبًا* وَّزَيْتُونًا وَّنَخْلا* وَّحَدَآئِقَ غُلْبًا* وَّفَـٰـكِهَةً وَّأَبًّا* مَتَـٰـعًا لَّكُمْ وَلأنْعَـٰـمِكُمْ (سورة عبس، آية: 24-32).

 

ثم يوجّه القلب البشري إلى قدرة الله القاهرة، فيقول:

       بَدِيعُ السَّمَـٰـوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.(سورة البقرة،آية:117).

       ويقول:

       بَدِيعُ السَّمَـٰـوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صـٰـحِبَةٌ وَّخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(سورة الأنعام، آية:101).

       ثم يوجّه القلب البشري إلى علم الله الشامل، فيقول:

       وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَآ إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَـٰـتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَـٰـبٍ مُبِينٍ (سورة الأنعام، آية:59).

 

الإبداع والحداثة

والحداثة بمفهومها الغربي ، تدعو إلى التطرّف والعنف.

       ترى ، هل الإبداع مطلوب في هذا المجال؟.

       ترى ، ماذا يفعل الشباب ، عندما يقرأون شعرًا، يقول:

       "من قال إنّ يوسف لم يزن بزليخا..؟".

       أو حين يقرأ مثلاً:

       "إن لوطاً قد زنى بابنتيه" .

       إنّ الإبداع ، هو تخيّل إنساني رفيع ، يقوم الإحساس الرفيع للناس في صورة من صوره.

 

وحرية الفكر تسير في اتجاهين:

 

الأول: أن يكون الفكر، له قيمة مؤثـّرة في مسيــرة الإنسانية، وأن يكون حافزًا للتقدم والحريـــة وداعيةً إلى الأخلاق الفاضلة، وهذا الفكر يحترمه الإسلام ويقدّره وله ثوابه عند الله سبحانه وتعالى.

 

الثاني: أن يكون الفكر نوعًا من التكتيك، الذي يستخدمه بعض المرتزقة، بهدف إعاقة الإنسانية عن التقدم، وداعيًا إلى فساد الأخلاق والقيم.

 

وهذا الفكر مرفوض وصاحبه سينال جزاءَه عند الله تعالى:

 

ولذلك فإنّ المعيار الأساسي لتقويم الإبداع في الإسلام : أن يكـــون الناتج فيه جديدًا وأصيلاً، وأن يكون ذا قيمة بتأثيره في المجتمع في الوقت ذاته.

 

والإسلام فيه حرية الفكر، الموسومة بانضباط والتوازن الكامل من القيم الأخرى، وهو الحاكم دائمًا على الحضارات الأخرى والأمم المختلفة في مفهوم الإبداع والفن والأخلاق، ولم يكن في يوم من الأيام خادمًا لأهواء الناس ولا مُبَرِّرًا لانحرافهم .

 

والقرآن الكريم ، كان واضحًا في تثبيت هذا المفهوم في نفوس المسلمين حتى يقوموا بدَعوتهم إلى الله على بصيرة ، يقول الله تعالى: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلـٰـوةَ وَآتُوا الزَّكَـٰـوةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(سورة الحج، آية:78).

 

والإبداع الفنّيّ في الإسلام، يُصوّر الإنسان على صورته المزدوجة قبضةً من طين الأرض ونفخةً من روح الله تعالى، وفي طريقة التسجيل، تلتقط لحظة الهبوط على أنها كذلك، لا على أنها لحظة بطولة تستحق الإعجاب؛ بل إن لحظة الإعجاب هي لحظة الإفاقة من الهبوط التي يطلبها الإسلام ، حيث يقول الله تعالى:

 

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (سورة آل عمران، أية: 135-136).

 

فالدافع الحقيقي ، هو الارتفاع فوق الواقع وهو حقيقة إنسانية ، قد تكون قليلةً ولكنّها موجودة وتستحق التسجيل كلحظات تفتح الزهور.

ترى ، ألم تكسب البشرية من تسجيل لحظات تفتح الزهور؟ كذلك لحظات المشاعر وثمرات النفوس.

 

الجانب الوجداني

والجانب الوجداني ، أدخَلُ الجوانب في الإبداع الفني، وعنصر التأثير، هو العنصر البارز في الفن والإبداع. وأقرب رسائل التأثير، هي تصوير الوجدانات البشرية في صورة جميلة موحية، تؤثـّر في الوجدان، والذي يحدّد ذلك طريقة تناول الموضوع.

 

والجنس مثلاً، يأخذ مساحةً واسعةً في النفس الإنسانية ، لا يأخذها في عالم الحيوان، مشاعر وعواطف وفنون من الغزل وشوق الجنس ومودّة في الألف ورغبة في القرب؛ ولكنه لاينقلب من كونه وسيلةً إلى كونه غايةً ، إنه وسيلة لحفظ النوع وترقيته وذلك لا يطغى على مساحات مخصّصة لغيره، ولا يفسد تكوينها الطبعي المترابط، ولا ينفصل بذاته عن بعض المشاعر، فهو ليس جنسًا خالصًا، لا علاقة له بمنعة النفس التي يوضحها القرآن الكريم في قوله تعالى:

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَّرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(سورة الروم، آية:21).

 

فالسّكن هو الهدف من الزواج في عالم الإنسان، وليس مشغَلة الفكر والبال، ولا النُّصب والعذاب والقلق والاضطراب واللهفة الدائمة التي لا ترتوي.

 

والفن الإسلامي ، يتحدّث عن المشاعر التي تربط بين الجنسين في حدود نظيفة .

 

وقصة موسى – عليه السلام – مع ابنة شعيب – عليه السلام – التي ذُكرت في سورة القصص ، فيها عرض لعواطف أنثى نظيفة تجاه رجل.

 

عواطف الإعجاب بقوّته وشهامته، ثم أمانته المتمثّلة في محافظته عليها وعلى عِرضها في الطريق إلى الدار.

 

والأب يُقرّ ذلك ويُزوّج ابنته لموسى، ويُقرّ القرآن الكريم هذه العواطف، فيؤدّيها في تقرير وصراحة.

 

وقصة يوسف – عليه السلام – تمثّل قصة الهبوط الجنسي عند امرأة العزيز، ومع ذلك ، لا نجد أمارة التلذّذ بالجنس والإعجاب ، لحظة الهبوط والمتعة بالمشاعر المنحرفة.

 

إنّها أمانة في الوصف بلا إثارةٍ نفسية ولا تلذّذٍ ولا إفساد أخلاق.

 

والحبّ طاقة من طاقات النفس ؛ ولكنه حبّ شامل للــوجود كلّه بما فيه ومن فيه. والحبّ الإلهي وحدَه هو الذي يمكن أن يستوعب فنًا قائمًا بذاته ، وحب الأم والولد ، لا تدخله غايةُ الجنس .

 

والقصة في القرآن الكريم نظيفة ؛ إذ أنّها حين تُلمّ بلحظة الضعف البشري ؛ فإنّها لا تصنع منها بطولة ؛ بل عرضًا فقط، ثم يسرع ليسلّط الأضواء على لحظات الإفاقة والتغلّب على الضعب البشري.

 

وحين يعرض الفاحشة فإنه لايعرضها للتلذّذ بها؛ بل إنه يعرضها ليفسح المجالات لأحداث الحياة العليا العديدة ويفسح المجال للتصور الإيماني الكبير للكون والحياة والإنسان .

 

والمُبْدِعُ المسلم ، له ذوق خاص ينفرد به؛ لأنه ينطلق في عمله بثقة ، لا نهاية لها في العدل الإلهي، ويندفع إلى القرب إلى الله تعالى.

 

وما دام الفنّان المبدع أمينًا صادقًا ؛ فإنه لا يدعي لنفسه شيئًا غيرَ معقول ولا مقبول؛ ولكنه يرجع ذلك إلى المنّة الإلهية والتوفيق الرباني.

 

الإبداع في الأدب

ينشأ الإبداع في الأدب من الإحساس بالجمال في صورة كلمة تتناسق عناصرها وتتآلف ألوانها وتنسجم علاقات أجزائها ، فتُعطي انطباعًا متميزًا بالرضا والفرح. والأدب الإسلامي في جوهره ، أدب الاستشراف والتسامي بالنفس الإنسانية. وقمّة الحرية تكون في قدرة الإنسان على الالتزام، وكل شيء في الإسلام ، له هدف ويعين المسلم على أداء وظيفته التي خلقه الله تعالى من أجلها.

 

ومن المنظور الإسلامي فإن دعوى الفن للفن والإبداع للإبداع ، ما هو إلا خرافة .

 

ونلاحظ أن إسلاميات "أحمد شوقي" قد سمتْ بشعره إلى آفاق أسمى وأرحب من الآفاق المعروفة في ذلك الوقت، وإسلاميات "إقبال" كأنها فيها حريصًا على الإبداع والارتقاء بالصورة الفنية ؛ وذلك لأنهما التزمَا بالإسلام وهو الدين الحريص على سلامة المضمون وضرورة التعبير عن الفكر الإسلامي الصحيح وعلى الانطباع الصادق أو التساند البنائي لدى المتلقى .

 

وهكذا نرى أن الإسلاميين ، أحرص على الإبداع الفني ؛ لأنهم يوظّفونه توظيفًا ساميًا في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، وهم حريصون على إيصال كلمة الحق إلى البشر كافة، وهم يدخلون إلى الإبداع من الطريق الصحيح متسلِّحين بالوعي والإيمان والحب والخير، وذلك لكي تكون الكلمة رحمةً وخيرًا للعالمين ولا تكون عاملاً من عوامل الهدم والضياع والغموض والتسيّب .

 

والإبداع الفنّي في الإسلام ، يصوّر الإنسان على صورته المزدوجة قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله تعالى.

 

وفي طريقة التسجيل ، تلتقط لحظة الهبوط على أنها لحظة هبوط، لا على أنها لحظة بطولة، تستحق الإعجاب والتصفيق.

 

والذي يستحق ذلك ، إنما هو لحظة الإفاقة من الهبوط التي يطلبها الإسلام من المسلم، وفي ذلك ، يقول الله تعالى:

       قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (سورة الزمر، آية: 53-54).

 

فالدافع الحقيقي ، هو الارتفاع فوق الواقع، وهو حقيقة إنسانية موجودة، وتستحق التسجيل، حتى وإن كانت قليلة وبذلك تكسب البشرية من ذلك كله.

 

الإبداع الفني

والإبداع الفني في الإسلام ، يسمو في وصف الطبيعـــة المحدودة ليحوي كلَّ شيء في هذا الكون ، معبّرًا عن إيمان عميق عن بدائع خلق الله تعالى.

 

وحسب المسلم أن يستخــدم مـوادّه الفنية عن الطبيعة بذوق وقدرة على التشكيل، ليخرج منها بأشياء نافعة وجميلة وتتمثل في الخطوط وغيرها.

 

ويعالج الإبداع الفني موضوعات الكتابة والخطوط والنقش والعمارة من خلال منظار إسلامي جمالي ، يستوحي أصوله من حجج الله البالغة بآياته البيّنات، ويظهر ذلك في عمارة الأبنية والمساجد وصناعة الأواني والبساط، وتدرج فنون الكتابة والخطوط، كما يظهر في جمال أداء العبادات ومن ذلك الصفوف المتساوية في الصلاة .

 

والإبداع الإسلامي ، يشمل كل ما في الحياة، وفق التصور الإسلامي الصحيح لهذه الحياة، ووفق وظيفة الإنسان التي خلقه الله تعالى من أجل تحقيقها في هذه الحياة، وهو لا يزيف حقيقة، ولا يخلق وهمًا فاسدًا، ولا يحابى ضلالاً، ولا يزيّن نفاقًا، ومن ثم فهو ينهض بعزائم المستضعفين، وينصر قضايا المظلومين ويبشّر بالخير والحق والجمال.

 

ومن هنا فإنّنا نجد أن الإبداع في الإسلام ، ما هو إلاّ إبداع الضمير الحي والوجدان السليم والتصور الصحيح والخيال البناء والعواطف المستقيمة، وهو لا يتّجه إلى انحراف نفسي ولا إلى اعتلال شعوري أو إلى مرض فلسفي؛ بل إنه يقوم بتأصيل القيم الجمالية والمضامين الفكرية الأصيلة، وهو وثيق الصلة بالصحوة الإسلامية المعاصرة في جميع المجالات .

 

والمبدع المسلم ، لا يكمن فيه الخلل الداخلي، ولا الخلط الأهوج بين الوسائل والغايات، ولا سوء النية ولا العداء العجيب لكل شيء في الكون وهذا ما يعيش الغرب فيه بسبب الخواء الروحي، وقد دفعهم ذلك إلى التهكّم من القيم، وإنكار العقيدة الدينية .

 

والمبدعُ المسلم مُرتبِط ارتباطاً وثيقًا بالقرآن الكريم والمنهج الإلهي، ويساعده على ذلك الالتزام الداخلي، وهو البعد الآخر للصدق .

 

والالتزام في الإبداع ، معناه القناعة الإيمانية والسلوك المطابق لكل ما يتعلق بها، ويكون في إطار المسؤولية الإيمانية، فالميزان من صنع الخالق سبحانه وتعالى، والمبدع المسلم يُحسّ بأنه محاسب على ذلك في الدنيا والآخرة .

 

وبذلك يكون الإبداع في المنهج الإسلامي وسيلةً من وسائل التربية، وله تأثيره المتميّز على نفسية المتلقى وفكره حتى وإن لم يُدركه .

 

والمبدع المسلم يعيش عقيدةً وفكرًا وسلوكاً من نوع خاص، وذلك يؤثـّر في مكوّناته النفسية والعقلية وفي قدراته الإبداعية.

 

وهكذا يكون الإبداع في الرؤية الإسلامية إبداعًا ، له هدف يُعِيْنُ المسلم على تحقيق وظيفته في الأرض، وبذلك ينتظر الجزاء من الله تعالى في الدنيا والآخرة .

 

وهذا ما يهدف إليه كلُّ إنسان في هذه الحياة ، ولمثلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون .

 

 

ربيع الثاني – جمادى الأولى 1429هـ = أبريل – مايو  2008م