إلي رحمة الله

 

1 – الشيخ السيد محمد إسماعيل الكتكي رحمه الله

1332-1426هـ = 1914-2005م

 

 

 

     في الساعة الحادية عشرة من الليلة المتخللة بين الأحد والإثنين : 10-11/ محرم 1426هـ الموافق 20-21/ فبراير 2005م انتقل إلى رحمة الله تعالى العالم المعروف المناظر الإسلامي الشهير الشيخ السيد محمد إسماعيل الكتكي من سكان «أريسه» – إحدى الولايات الهندية – في 92 من عمره ، بعدما عاش حياة حافلة بالخدمات الجلي والنشاطات المكثفة الغرى ضد الحركات الهدامة ، وعلى رأسها القاديانية التي ظل سيفًا مصلتًا ضدّها منذ أن تخرج عالمًا بالشريعة الإسلامية في أكبر وأعرق جامعة إسلامية في شبه القارة الهندية وهي دارالعلوم / ديوبند . وذلك بقريته «سادات سونكره» بمديرية «كتك» بولاية «أريسه» بالهند . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

     كان رحمه الله عالمًا جريئًا صادعًا بالحق لايأخذه في الله لومة لائم ، صمد في وجه القاديانية عندما بدأت تنتشر في القرى المتخلفة بمنطقة «أريسه» وقد أسلم آلاف من القاديانيين على يديه، وناظر القاديانيين ودعاتهم في حفلات علنية ، وأفحمهم بدلائل قاطعة على عقيدة ختم النبوة بسيدنا ونبينا محمد .

     وقد مارس رحمه الله التدريس في عدد من المدارس الرسمية عبر مدة 1936-1945م ، ثم انقطع إلى مقاومة القاديانية ومواجهة الحركات المعادية للإسلام ، وأسس لتحقيق هذا الهدف جمعية دعوية باسم «تبليغ الإسلام» جعلها منبرًا للانقضاض على الحركات الباطلة والدعوات المضلة، كما نصب لذلك دعاة من العلماء الراسخين الذين آنس فيهم أهلية الخطابة وقدرة مقارعة الحجة بالحجة وإبطال الباطل بدلائل باهرة وبراهين قاطعة . وأسس رحمه الله عام 1946م مدرسة لتعليم العلوم الشرعية باسم «مركز العلوم» وقام برحلات متصلة وجولات مكثفة في ملاحقة القاديانية ، كما زار عددًا من الدول وقام بتوعية المسلمين بخطر القاديانية وأسلوب تدليسها وتضليلها.

     كان رحمه الله خطيبًا مفوهًا ومناظرًا مصقعًا يعينه على الخطابة المثمرة المؤثرة صوته الجهوريّ ، وذاكرته القوية ، وموهبته الفائقة في إفحام الخصم بدلائل الكتاب والسنة ، وإقناع الجمهور بحقانية الإسلام وصدق رسالته في كل زمان ومكان .

     تلقى رحمه الله التعليم الابتدائي من أخت والده السيدة خاتون ، واجتاز المراحل الابتدائية في المدرسة الإسلامية بقريته «سادات سونكره» ثم التحق «بمدرسة الجامعة القاسمية / مدرسة شاهي» بمدينة «مرادآباد» بولاية «يوبي» بالهند ، حيث تلقى التعليم إلى المستوى الثانوي ، من العلماء الكبار ، أمثال : الشيخ السيد محمد ميان الديوبندي الدهلوي رحمه الله (1321-1395هـ = 1903-1975م) والشيخ محمد إسماعيل السنبهلي والشيخ عبد الحق المدني والشيخ قدرة الله قدرة . ثم التحق لتلقي الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية دارالعلوم / ديوبند، وتخرج منها عام 1350هـ / 1930م وكان من أساتذته بها آنذاك العالم الكبير المجاهد الشيخ السيد حسين أحمد المدني (1295-1377هـ = 1879-1957م) والشيخ العلامة إبراهيم البلياوي (1304-1387هـ = 1886-1967م) والشيخ رسول خان الهزاروي المتوفى 1391هـ/ 1971م والشيخ السيد أصغر حسين الديوبندي (المتوفى 1364هـ/1944م) والشيخ المفتي محمد شفيع الديوبندي ثم الباكستاني (1314-1396هـ =1896-1976م) والشيخ المقرئ محمد طيب (1315-1403هـ = 1897-1983م) . وكان من زملاء دراسته بدارالعلوم / ديوبند الشيخ مرغوب الرحمن رئيس جامعة ديوبند حاليًّا والشيخ منة الله الرحماني (1332-1411هـ = 1913-1991م) والشيخ المفتي نظام الدين (المتوفى 1420هـ/2000م) وغيرهم .

     وشغل رحمه الله منصب رئيس جمعية العلماء بمنطقته «أريسه» وعمل إلى وفاته عضوًا في مجلس شورى جامعة ديوبند .

     وما إن وصل نعي وفاته دارَالعلوم / ديوبند ، حتى اجتمع الطلاب والأساتذة والمسؤولون في قاعة تدريس الحديث الشريف المركزية يوم الاثنين 11/ محرم 1426هـ وتلوا القرآن الكريم ، وأهدوا الثواب إلى روحه ، كما تحدث بهذه المناسبة بعضُ الأساتذة عن صفاته ومزاياه وأعماله ونشاطاته التعليمية والدعوية وجهاده في سبيل مكافحة الحركات الهدامة. وحَضَرَ الحفلةَ رئيسُ الجامعة فضيلة الشيخ مرغوب الرحمن ونائباه : الشيخ المقرئ محمد عثمان والشيخ عبد الخالق المدراسي . رحمه الله وأدخله فسيح جناته.

     كان رحمه الله على شاكلة العلماء السلف ليّنًا حليمًا وقورًا يعلو وجهَه نور العلم والإيمان ، يتواضع حتى مع الصغير . خلال حضوره دورةَ المجلس الاستشاريّ لجامعتنا دارالعلوم / ديوبند في صفر 1425هـ / أبريل 2004م ، كنتُ في زيارة أحد زملائه في إحدى الغرف المخصصة لكبار الضيوف في مضيف الجامعة ، إذ دخل رحمه الله الغرفة ليقابل زميله ويسلّم عليه ، فحانت منه التفافة إليّ ، وعانقني في ترحاب حارّ وبشر فيّاض قائلاً: أخي نور عالم ! أقرؤك دائمًا في الصحف والمجلات الأردية إلى جانب مجلتك العربية «الداعي»، حقًّا إنّ قلمك سيف بتَّار اليوم على الباطل العالمي الذي تألّب على الإسلام ، جزاك الله خيرًا . وظلتُ مطرقًا رأسي حياء من أن يثني عليّ عالمٌ فارعُ القامةِ في دحض الحركات الهدامة وفي الذود عن حياض الإسلام التي ظلّ عبر حياته يطرد منها الكلاب والذّئاب . جزاه الله خيرًا وكثّر أمثاله.

 

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الأول – ربيع الثاني 1426هـ = أبريل – يونيو 2005م ، العـدد : 4–3 ، السنـة : 29.